ا شك أن الاحتلال الصهيوني لفلسطين فريد من نوعه، فهو احتلال من طبيعة أخرى في التاريخ تريد تغيير واقع الجغرافيا والتاريخ، وطمس الذاكرة والهوية، وتهويد المبنى والأثر..المسكن والحجر..المعبد والمسجد وشاهد القبر.. هو احتلال يمعن في القهر والجبروت ويفعل المستحيل لكسر إرادة أهل البلد الأصليين سكان الناصرة والقدس والخليل، يافا وحيفا وغزة..وكل المدائن والحارات. ولأن أهل فلسطين أدركوا أن لا رحيل عن الأرض، وأن النكبة لن تتكرّر..هاهم أولائي يرابطون في الأقصى وفي كل مكان دفاعا عن وجودهم وحقهم في دولتهم وفي القدس وحقهم في العودة أيضا.. هاهم يرابطون في المسجد الأقصى دفاعا عنه من اقتحام اليهود المتطرفين والصهاينة الغاصبين. لقد أدركوا طبيعة هذا المحتل وجنونه المتواصل ليبقى مسيطرا على كل شيء بالقوة العسكرية وبالإمكانات الاقتصادية والبشرية..وراحوا يقاومون بشتى الوسائل المتاحة..بالسلاح والصمود في وجه القمع والحصار..وبمواجهة إجراءات قضم الأرض والاستيطان والتهجير، وبصدّ المحتل عن سياسة مسخ الذاكرة وتهويد المكان وتزييف الآثار والتاريخ.. لقد زادوا على ذلك بإبداع أشكال جديدة للصمود من خلال حمل همّ القضية الوطنية والتعبير عنها في كافة المحافل الدولية وبشتى صنوف الفن والثقافة والفكر والأدب.. ذا هو الوجه الحقيقي للغزاة الذين يخشون من كافة أشكال المقاومة حتى ولو كانت سلمية، ويكشفون بذلك عن جوهر إيديولوجيتهم العنصري والظالم، مثلما بانت طريق المقاومة مهما كانت التضحيات ومهما كانت الخيانة والفساد في السلطة التي تعرّت بفضيحتها الأخيرة التي غطّت على الجلاّد بتأجيل عرض تقرير غولدستون.. ومع أنه ينبغي عدم الفصل بين القضايا، لأن القضية الأم هي قضية احتلال فلسطين وواجب تحريرها، وما تهويد الأقصى والتآمر على حقوق الشعب الفلسطيني والجدار العنصري إلاّ معارك ضمن حرب واحدة وفروعا لأصل واحد.. مع ذلك وجبت النصرة بكل أشكال المقاومة ومن ذلك جمعة الغضب لتتنبه الأمة لتحديات المرحلة ورهاناتها. لأي شيء تصلح هذه الجيوش العربية التي لا تستردّ حقّا مغتصبا ولا تحفظ كرامة.. لأي شيء تصلح غير قمع الشعوب وحماية الأنظمة..!