تضاعف عدد الزوار المتوافدين على حمام ريغة الواقع شرق ولاية عين دفلى خلال هذه الأيام بعد أن ارتاحت العائلات الجزائرية من كابوس امتحانات نهاية السنة، وبرمجت رحلات استجمامية وعلاجية أيضا إلى هذا الحمام الذي يحظى بمكانة لدى سكان العاصمة وضواحيها ناهيك عن ولايات الغرب نظرا لما تحظى به مياهه الحموية من خصائص علاجية معروفة. على الرغم من غياب المرافق وقلة الإمكانيات و شبه انعدام التهيئة، تحظى الحمامات المعدنية بالجزائر وعلى رأسها حمام ريغة بإقبال كبير من طرف المواطنين الباحثين عن العلاج الطبيعي والراحة والاسترخاء، خاصة النساء اللواتي يفضلن المياه الحموية لعلاج آلام المفاصل،الروماتيزم و»لارتروز« التي تهدد أكثر من نصف نساء الجزائر خاصة وأن مياه حمام ريغة تتمتع بهذه الخاصية حيث تصل درجة حرارته إلى 68 درجة مئوية. حمام خارج إطار إهتمامات المسؤولين كانت زيارتنا إلى حمام ريغة في عطلة نهاية الأسبوع حيث بدا إقبال العائلات مضاعفا ووصل إلى 1500 زائر بعضهم اختار قضاء الليلة، قطعنا تذكرة لدخول الحمام المعدني ب 300دج للمكان الواحد في غرفة فردية. وبمجرد دخولنا لمحنا جحافل النساء في المسبح الذي تفضله أغلبيتهن ويعتقدن أنه الأصل والأفضل في العلاج، لكن المؤكد ومن النظرة الأولى أن المسبح الذي يقصدنه للعلاج تحول بفعل الاكتظاظ وقلة النظافة إلى بركة لنقل الأمراض والفيروسات تحيط بها الأوساخ ويلعب فيها الاطفال على أساس أنها مسبح عادي تاركين ورائهم كل ما يمكن تخيله من أوساخ وقاذورات. والمؤسف أن جموع النساء يغطسن في هذه المياه غير آبهات بالمخاطر التي تحدق بهن بسبب انعدام ثقافة النظافة. بعد دخولنا للغرف الفردية وعلى طول الطريق المؤدي إليها لم يكن الحال بأحسن وكأن عاملات النظافة منعدمات بهذا الحمام الذي يصنف على أنه أحد أحسن عشر حمامات معدنية بالجزائر، ومازاد الطين بلة هو سلوكيات بعض الزبونات اللواتي حولن الحمام الذي يقصده الناس للعلاج الطبيعي إلى مكان للدجل والشعوذة وممارسة بعض الطقوس المتعارف عليها بين فئة من زبائن الحمامات كإشعال الشموع وربط الحناء وإطلاق الزغاريد التي لا تنقطع. سألنا إحدى »طيابات« الحمام اللواتي تعرضن خدماتهن على الزبونات عن سبب الزغاريد فقالت أن الفتيات الباحثات عن الزواج يقمن بربط الحناء وإطلاق الزغاريد لجلب الفأل الحسن . بينما يبقى الزبائن الفعليين لهذا الحمام من المرضى اللواتي أضناهن المرض وآلام العظام، خاصة النساء بعد مرحلة انقطاع الطمث حيث قالت إحداهن أن المياه الحموية هي أحسن علاج للروماتيزم مضيفة أنها لا تفوت فرصة للقدوم إلى الحمام الذي يخفف عنها آلام المفاصل لفترة من الزمن بعد أن أنهكت جسمها مضادات الالتهاب التي تمنع الألم ولكنها تنعكس سلبا على الصحة العامة للجسم. وأضافت أن الطبيب نصحها بالتخلي عن الأدوية واللجوء إلى المياه الحموية لما لها من خصائص علاجية لهذا النوع من الأمراض. فيما أضافت مرافقتها وهي سيدة في منتصف الخمسينات أنها لم تعد تقدر على دفع تكاليف حمامات »الثلاسو ثيرابي« بسبب تكاليفها الباهظة مشيرة إلى أن نوعية المياه هي نفسها، لكن نوعية الخدمات تختلف كثيرا، معربة عن أسفها من قلة النظافة وانعدام الإمكانيات بهذا الحمام مضيفة أنه كان سيكون رائعا لو أن الإدارة كثفت أعوان النظافة وأدخلت بعض التعديلات عن طريق التهيئة وتوفير الإمكانيات. تدني مستوى الخدمات بمحلات الأكل وبدورنا تأسفنا على حال الحمامات الطبيعية بالجزائر والتي لا يعنى بها المسئولون المحليون ولا يعيرونها اهتماما بدليل تدني الخدمات وغياب الإمكانيات، رغم أنها مقصد لآلاف الزوار وبالإمكان تحويلها إلى مكان سياحي بالدرجة الأولى. خاصة بسبب موقعها الخلاب الذي تحيط به الخضرة والمناظر الطبيعية، أم أن الأمر مقصود للإبقاء عليها حماما شعبيا يقصده الزوالية ؟ انتشرت مطاعم الأكل الخفيف كالفطر على جوانب الحمام تعمل في جو تنافسي لاستقطاب أكبر عدد من الزبائن، لكن الغريب أنها تجتمع كلها في نفس قوائم الطعام الذي يعرض الدجاج المحمر والمشوي بالإضافة إلى »الفريت« والسلطة لا أكثر ولا أقل، وأكثر المطاعم استقطابا للزبائن هي التي تحظى بمكان خارجي في الطبيعة يساهم في استجمام الزوار واستمتاعهم بالطبيعة بعيدا عن ضوضاء المدينة، لذا تجد المطاعم التي لا تحظ بهذه المواقع تلجأ إلى التخفيض في أسعارها ليجد الزبائن نوعا آخر من المغريات التي تدفعهم لاختيارها.لكن الملاحظ أيضا أن كل هذه المطاعم تشترك في محدودية الخدمات وقلة النظافة إن لم نقل انعدامها إلى درجة التقزز، فالدجاج المحمر والمشوي بنوعيه لا ينظف من الشعر ويقدم محمرا دون خجل، والأغرب من كل ذلك أن الكل يستهلك دون أن ينطق بكلمة احتجاج أو اعتراض واحدة. وهو ما يدفع بعدد من العائلات إلى جلب طعامها بنفسها من البيت وعدم اللجوء إلى هذه المطاعم التي يبدو أنها بعيدة كل البعد عن الرقابة حيث يفترش أفراد العائلة الواحدة البساط في محيط الحمام، الذي لا يخل من المناظر الطبيعية وتناول الغذاء بعيدا عن أخطار التسمم والأمراض ونحن على أبواب الصيف. محلات الفخار تحظى بإقبال معتبر قبل رمضان تزامنا مع اقتراب حلول الشهر الفضيل، استغلت العائلات المتوافدة على حمام ريغة الفرصة لاقتناء بعض الأواني التقليدية حسب احتياجاتها، فقد تضاعف عدد المحلات التي تعرض سلعها التقليدية التي تجذب الزبائن، خاصة إذا تعلق الأمر برمضان حيث تحلو الأواني التقليدية كقدور وطواجن الفخار وطواقم كاملة للشوربة والحميس، بألوان جذابة تسر الناظرين وتلقى إقبالا معتبرا من طرف ربات البيوت. اقتربنا من أحد الباعة الشباب وسألناه عن حركة البيع في حمام ريغة فقال أنها تزدهر في هذا الوقت من السنة أي قبل حلول شهر رمضان، فالعائلات الجزائرية التي تزور الحمام تسعى دائما لاقتناء بعض الأواني كتذكار من الحمام خاصة إذا تزامنت الزيارة مع اقتراب حلول شهر رمضان.مشيرا أن أكثر السلع رواجا في هذه الفترة هي صحون الشوربة حيث تحرص ربات البيوت على تجديدها في كل رمضان. وبعدها يأتي دور طاجين الفخار حيث تفضل أغلب الجزائريات إعداد خبز الدار في البيت خلال رمضان. حورية سيدة قدمت من ولاية البليدة التقينا بها في أحد المحلات وهي بصدد اختيار طاقم كامل للشوربة سألتنا عن اختيارها إذا كان موفقا فأكدنا لها بدورنا حسن اختيارها للألوان والرسم في الطاقم. وقالت أنها تعودت أن تزين مائدة رمضان بطاقم جديد للشوربة في كل سنة، مشيرة أن كثرة الأواني لا تندمها لأنها تجدها في المناسبات والأفراح حيث لا تضطر للاقتراض من أحد. وأضافت أنها تعودت على اقتناء أواني الفخار كاملة من قدر وطواجن وصحون وملاعق خشبية مشيرة إلى أن سحر رمضان و»بنته « تكمن في هذه الطقوس التي تواكب تحضيرات استقبال الشهر الكريم والتي تركها لنا أسلافنا مضيفة أنها تفضل أن تشتري من هؤلاء الشباب كنوع من الدعم فلولا هذه الصناعات التقليدية لظلوا فريسة للبطالة.