باسم مكافحة الإرهاب وزحف الإسلام السياسي المتشدد وجد أنصار القومية العربية أنفسهم يدافعون عن تقسيم العراق من حيث لا يشعرون. لا يكاد يمر يوم دون أن يؤكد أكراد العراق على نيتهم في القتال إلى آخر قطرة من دمائهم من أجل الحفاظ على الأراضي التي سيطروا عليها خلال الأيام الأخيرة بعد أن دخل المسلحون الموصل وسيطروا على مناطق عدة من العراق، بالأمس عاد البرزاني ليقول إن قوات البشمركة سيطرت على كل الأراضي التي كانت محل خلاف مع بغداد، وهو ما يعني أن الإقليم أصبح مستقلا بالفعل. لم يتحدث المناهضون لداعش والجماعات الإرهابية عن أهداف الأكراد، بل أكثر من هذا تشير بعض وسائل الإعلام الموالية لحكومة بغداد إلى أن قوات البشمركة ترابط على أطراف المدن التي يسيطر عليها المسلحون من داعش وغيرها، ويراد لنا أن نفهم أن البشمركة تخوض حربا مشروعة ضد الإرهاب وأنها تقوم بتأمين البلد وشعبه. هكذا عادت الحسابات الإقليمية لتحتل الصدارة على قائمة الأولويات، لم يعد مهما مصير العراق ووحدته، كل ما يهم هو مصير التوازنات في سورياولبنان وإيران ومنطقة الخليج العربي، وإذا تطلب الأمر إبادة الملايين من أجل الحفاظ على التوازنات أو تصحيحها فلا بأس بذلك. باسم التوازنات تم تسليم العراق للأمريكيين قبل أزيد من عشرة أعوام، وباسم هذه التوازنات دعم بعض العرب إسرائيل في عدوانها الهمجي على لبنان في صيف سنة ,2006 وباسم هذه التوازنات سكت الجميع عن حرب الإبادة التي خاضتها إسرائيل ضد قطاع غزة في الأيام الأخيرة من سنة 2008 واستمرت إلى مطلع سنة ,2009 وباسم التوازنات يجري تدمير سوريا وإبادة شعبها. العرب فقدوا البوصلة، فالأنظمة التي تحكمهم لها أولوية واحدة هي الاستمرار، ولأنها غير قادرة على تأمين الاستمرار بشكل ذاتي فإنها تعتمد بشكل كبير على الخارج الذي له حساباته، وهكذا تحولت بلاد العرب إلى ميدان لحروب إقليمية ودولية أطرافها دول فاعلة ليست بينها أي دولة عربية.