ينهي، غدا، مدير الديوان برئاسة الجمهورية المكلف بالمشاورات حول تعديل الدستور أحمد أويحيى جلساته التشاورية مع مختلف الشخصيات الوطنية وقادة الأحزاب السياسية، وسط توجه نحو تكريس النظام الشبه الرئاسي باعتباره النظام الملائم للجزائر، كما وقع الإجماع على إعلاء الحريات الفردية والجماعية بدقة أكثر لترسيخ الديمقراطية وبناء دولة القانون، بالإضافة وجود توافق كبير حول تعزيز استقلالية القضاء . يرى المتتبعون للساحة السياسية أن أغلب مقترحات تعديل الدستور التي تلقاها مدير الديوان برئاسة الجمهورية أحمد أويحيى، في جلساته التشاورية مع أطياف الطبقة السياسية والتي لم يبق من عمرها سوى يومين فقط، تقاطعت حول عدد من النقاط الواجب تبنيها في الدستور التوافقي القادم، من بينها تبني نظام الحكم شبه الرئاسي باعتباره النظام الملائم للجزائر، وهو المقترح الذي طرحته الأحزاب الثقيلة على غرار حزب جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، وتجمع أمل الجزائر، حيث يأتي هذا الإجماع من منطلق فكرة نظام رئاسي محسن يختلف عن النظام المطبق حاليا، تنسجم مع التوجه مباشرة نحو نظام شبه رئاسي، طالما أنالنظام البرلماني صعب التطبيق مع تكليف وزير أوليتمخض عن التشكيلات السياسية التي تحظى بالأغلبية لرئاسة الحكومة. وكان قد استعرض الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني، خلال اجتماعه بمدير ديوانالرئاسة، 33 تعديلا اقترحها الحزب العتيد لتكريس دولة القانون والفصل بين السلطات وتعزيز دور المنتخبين، حيث شدد أن حزبه مع نمط الحكم شبه الرئاسي الذي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات، وكذا تعزيز دورالمجالس المنتخبة في الدستور المقبل، وألح على ضرورة إعداد دستور توافقي مثلما دعا إليه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة. ومن جهته، اقترح حزب التجمع الوطني الديمقراطي اعتماد نظام حكم شبه رئاسي، كما شدد على ضرورة تعزيز الدستور بأحكام ذات صلة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية وتعزيز منظومة الحكم بمؤسسات دستورية ورقابية واستشارية توخيا لمواصلة بناء دولة المؤسسات، مع الدعوة إلى فتح حوار مع مكونات المجتمع المدني وتوسيع دور البرلمان وتمكينه من حقه في الرقابة وفي المبادرة التشريعية إضافة إلى تحديد دور البرلماني على المستوى المحلي. كما أجمعت هذه الأحزاب بالإضافة إلى الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، على ضرورة وأهمية تبني تكليف وزير أول يتمخض عن التشكيلات السياسية التي تحظى بالأغلبية في غرفتي البرلمان لرئاسة الحكومة، حيث أكد الأمين العام للتجمع، عبد القادر بن صالح، أن التجمع يحبذ نظاما شبه رئاسي يكلف من خلاله وزير أول ينتمي إلى التشكيلات السياسية التي تحظى بالأغلبية في غرفتي البرلمان برئاسة الهيئة التنفيذية. وحسب حزب تجمع الأمل »تاج« يمكن لرئيس الجمهورية أن يعين نائبا أو عدة نواب لرئيس الحكومة وهذا قد يكون لازما عندما لا يتحصل أي حزب على الأغلبية البرلمانية، فيكون هناك ائتلاف حكومي يجب أن يتعايش فيه الجميع، بمعنى يمكن لعدة أحزاب من البرلمان تشكيل تحالف يسمح بالحصول على الأغلبية، وحسب »تاج«، فإن تعيين رئيس حكومة من الأغلبية البرلمانية يجعله مسؤولا أمام البرلمان والشعب والرئيس بتقديم حصيلته، كما أبدت من جهتها الحركة الشعبية، وزعيمها عمارة بن يونس، رغبتها في تبني النظام شبه الرئاسي باعتباره -كما قال أمينها العام- النظام الملائم للجزائر، بالإضافة إلى الإبقاء على مجلس الأمة بغية تفادي بعض الانزلاقات السياسية. إجماع حول استقلالية القضاء لإرساء الديمقراطية ودولة القانون كما لم يختلف أحد على ضرورة تجسيد مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث وتعزيز استقلالية القضاء على وجه الخصوص من خلال النص صراحة على استقلالية السلطة القضائية وذلك بتكريس أغلبية الثلثين لقضاة الحكم في تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، وكان الإجماع على هذا المطلب من منطلق أن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق دون استقلالية عمل القاضي الذي يجب أن يخضع بدوره أولا وأخيرا للقانون ولضميره المهني، بالإضافة إلى مقترح استبدال المجلس الدستوري بمحكمة دستورية تكلف ب»احترام الدستور وتفسيره والفصل في الإخطارات المتعلقة برقابة المطابقة والرقابة الدستورية وبانتخاب رئيس الجمهورية والفصل في تنازع الاختصاص بين الحكومة وغرفتي البرلمان«.كما أجمعت معظم التشكيلات الحزبية والشخصيات التي استدعيت للإدلاء برأيها في مشروع تعديل الدستور، على ضرورة تعزيز الدستور بأحكام ذات صلة بحقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية بدقة، بهدف توسيع وإثراء الفضاء الدستوري للمواطن من خلال تكريس حريات عامة جديدة وتعزيز حقوق مكفولة دستوريا، إلى جانب اقترحات مشتركة دارت حول تحقيق المناصفة بين الرجل والمرأة وحرية ممارسة الشعائر الدينية في إطار القانون وحرية الصحافة ضمن احترام حقوق وحريات الغير ومنع ممارسة أي رقابة مسبقة عليها وحرية التظاهر والتجمع بطريقة سلمية. فيما يتعلق بتعزيز الحريات، وفي هذا الشأن أكد حزب جبهة التحرير الوطني من خلال اقتراحاته أنه مع كل الاقتراحات التي تساهم في ترقية وتوسيع دائرة الحريات العامة والفردية في الجزائر لترسيخ الديمقراطية وبناء دولة القانون. الأحزاب الثقيلة تنقذ مشاورات تعديل الدستور من التميع وتساهم في تحديد معالمه واستنادا لهذه المقترحات تكون ملامح الدستور القادم قد بدأت في الظهور، لاسيما بعد استقبال ما يعرف في الساحة السياسية ب»الأوزان الثقيلة«، فبعد أن خصصت الأسابيع الأولى لاستقبال الشخصيات الوطنية وممثلين عن أحزاب توصف بالصغيرة، كانت الأيام القليلة الماضية فرصة للاستماع إلى مقترحات أهم التشكيلات السياسية الفاعلة، فقد توافد على قصر الرئاسة كل من عمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني صاحب الأغلبية التمثيلية في البرلمان، وعبد القادر بن صالح أمين عام »الأرندي«، إلى جانب زعيمة حزب العمال ورئيس حزب »تاج«، حيث ساهمت مشاركة كبار الأحزاب في إنقاذ المشاورات حول تعديل الدستور من التميع . المعارضة تتفق على عقد ندوة وطنية جامعة لصياغة الدستور المقبل من جهة أخرى، لم تهضم بعض أحزاب المعارضة، على غرار كل من جبهة التغيير، وجبهة القوى الاشتراكية، فكرة اقتراح نظام شبه الرئاسي، مؤيدة فكرة النظام البرلماني والتي أكدت أن هذا الأخير هو الأنسب للجزائر علما أن شروط إرسائه في الجزائر ليست متوفرة بعد، ومنه ضرورة التوجه نحو نظام رئاسي محسن يختلف عن النظام المطبق حاليا، لكنها من جهة أخرى اتفقت حول كيفية تنفيذ وصياغة الدستور الجديد، مقترحة عقد ندوة وطنية جامعة علنية دون إقصاء أي حزب أو طرف وتقديم حصيلة المشاورات، ثم صياغة وثيقة جديدة تضمن مقترحات الأطراف المستشارة وتضم كل الشخصيات والأطراف التي شاركت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في المشاورات، من خلال تقديم مقترحات عبر العديد من القنوات والمنابر من المعارضة أو الموالاة، لتحقيق الإجماع حول الدستور الجديد، الذي يجب أن يكون استشرافيا ويستجيب لتطلعات الأجيال الصاعدة.