غنام غنام .. مبدع موهوب تجمع له في سلة واحدة بيض الإخراج وكتابة السيناريو وتصميم السينوغرافيا علاوة على أنه يقوم بتمثيل الأدوار بنفسه كما أن له اهتماماته الأدبية خارج نطاق المسرح فهو يقرض الشعر، ويتعاطى القصة القصيرة، وحاز من الجوائز ما يضعه في مرتبة المسرحي المتكامل الإبداعات، فهو من أصل فلسطيني ولد في أريحا عام 1955 أخرجته نكسة 67 من الهوية الفلسطينية إلى الهوية الأردنية، ففلسطين هي ذاته التي لن تنمحي من وجدانه وهي تغريداته في كل ما أوتي من موهبة إبداع ونشر، وهي قضية تنام وتصحو في إطار جدلية الصراع بين الحلم والواقع حلم فلسطين الذي توارى خلف الأفق، وواقعه الأردني الذي يعايشه في تعاطيه ككاتب ومخرج يمارس التمثيل في المسرح إلى جانب أنه عضو نقابة الفنانين الأردنيين. وهو في هذا المجال له نشاط مميز وباع طويل، وما أصدق ما يعبر به عن حالة وجوده بين آفاق طبقات الحلم حين يقول: «من روح أريحا ونبع السلطان فيها من أريجها وخطوات المسيح على ترابها، ومن مساءات الريحانة العامرة بالفقر والسمر والشاي بالنعناع، من حارة البيادر ومساءات أمي خديجة بجوار ياسمين البيت التي تظلل عتبة البيت، وشوقها لأبي صابر الذي يطول ارتحاله خلف لقمة العيش، ليعود إلينا كل شهر كما هلال العيد بشارة للفرح الغامر، من مسافات طويلة أقطعها حاجا إلى سينما هشام ورمسيس وريفولي سعيا لدهشة السينما التي كان يذيع أخبارها، أبو زكية حيث يجوب طرقات أريحا رافعاً لوحة الإعلان عن فيلم على حمار فيما ينادي منغماً بمرافقة طبلته شوف بطل للنهاية فريد شوقي والمليجي وماجستي يصارع هرقل من ألعاب أبي أمينة وحسن في أعراس أريحا من صوت أبي زكريا يبدأ الليل كان عندي غزال ويفلها بجفنه علم الغزل من خيال يطير مع ظلال ستي عزيزة حين نتحلق حول لمبة الجاز التي ترسم ظلالاً على الحائط أرى فيها الشاطر حسن ونص نصيص الغولة من تل العرايس الذي بناه هاني صنوبر في ساحة قصر هشام. هذه النشأة التي يعقبها التنقل والترحال، ثم غرفة الفرقة التي تكونت من العمال ربما كان العامل الأول الذي جعل هذا الفنان في كتابات المسرح ثم تفعيل الكتابات على الخشبة يأخذ ما يسميه هنا بالشكل الفرجوي خارجاً عن نطاق التقليدية أو ما يسميها هو بكلاسيكية تقديم الفن المسرحي سواء من حيث الكتابة أو التفعيل على خشبة المسرح، ولأنه معجون بهوى العمال والمستضعفين لم يكن يهمه جمهور النخبة بقدر ما يهمه جمهور العامة وقد كان يكتب وهو يعرف أنه سوف يقوم بإخراجه نصها لذا كان يسهل عليه بدءاً أن يتعرف على أبعادها التأليفية التي يجب أن تتجلى عبر إظهارها في الإخراج، ويعد النص الأول آخر منامات الوهراني، هو أحد نصين جمع فيهما المؤلف خلاصة غانم الغانم من إبداعاته المسرحية. ففي النص الأول يعتمد فيه المؤلف على التاريخ وما ورثه منه وعلى الواقع الذي يعيشه يأخذ منهما المادة الحية لمؤلفه بطريقتين مختلفتين الأولى الاستلهام ومحاولة إعادة الصياغة والثانية النقل الحرفي ثم يأخذ هذا النقل مع الاستلهام لكي يصهر في بوتقة جديدة محاولا أن يخرج منه عملاً درامياً مختلفاً هو العناصر الرئيسة المكونة له فهو أشبه بالكيميائي الذي يمزج عناصره ليخرج منها عنصرا جديدا. فالنص عنده في تقديمه له نتاج إبداعي للشيخ الوهراني وللشيخ إمام وأشعار أحمد فؤاد نجم، أما الوهراني فلأنه غير مشهور مثل نجم لذا أخذ عنوان النص من اسمه، أما هو فعبدالقادر مغدير هو أبو عبد الله محمد بن محرز بن محمد الوهراني نسبة إلى وهران التي تقع بغرب الجزائر، ولعل ما أشهر الوهراني هو منامه الذي حاكى فيه أبا العلاء المعري في رسالة الغفران، لقد جمع الوهراني في المنام ألواناً من المزاح فتخيل مثلاً أن يوم القيامة قد أتى وأنه خرج من قبره إلى ساحة العرض حيث أرض المحشر فوجد ممن عرفهم وعاصره فيخسر منهم جميعاً وذكر ما قد حسبوه عليه، وقد ركز على المنام الكبير ونفذ منه إلى فساد المجتمع عبر تطويع السخرية والهزل فمنها أنه تناول وقائع المنام على لسان بغلة، حيث استنطق بغلة الوهراني في نصه هذا، في قلب مشاركة من جمهوره الفرجوي بمتابعة جوقة من فرقة موسيقى، يغنون مع توافد الجمهور، ونصه عموماً يقوم على الحيلة المعروفة التي استخدمها الكثير من كتاب المسرح وخاصة العرب في نهايات القرن العشرين وهي حدوث المقابلات الشخصية، وشخصيات آنية قصد من خلل تفعيل النص محاكمة الحاضر وخير مثال على ذلك هو نص المهرج محمد الماغوط غير أن ما يؤخذ على مثل هذا النوع من النصوص أنه يؤسس لدعاوي التمسك بالماضي ومحاولة العودة إليه والتمسك حتى بآلياته حتى تحقق محاولة الربط بين الآنية والمستقبل معاً، وهذا طرح شديد الخطورة على العقل الجمعي للأمة ككل، ذلك لأنه من النوع الذي لا يريد الاستفادة من دور الماضي، بل يريد جر الماضي للعيش به وهي أن معظم مثل هذه النصوص تتخذ نفس الشكل الفرجوي جرياً وراء تعبير الكاتب. ولكن النص لا يتفاعل عبر شخصية تاريخية معروفة بل يأخذ أشخاصاً عاديين غير معروفين امثال الوهراني نفسه فهو شخص غير مشهور، كما أنه في كثير من سرد النص يستنطق بغلة الوهراني الشهير تأخذ دوراً رئيسياً في العملية السردية، مما يجعل المتلقي لا يندفع مع الحدث من منطلق تاريخي بل يستغرق في التفكير بما طرحت من عملية جدلية السرد، فهي بذلك مفتوحة على التأويل، والإغناء والإثراء مفتوح على كل نوافذ الحلم والحرية على امتداد الوطن العربي، كما أن المدقق من خلال السرد سيكتشف بسهولة أن شخصية الوهراني هي شخصية الكاتب نفسه، حيث إن كلاهما خرج من وطنه، وكلاهما يحاول أن يلقي الضوء على العيوب التي تفشت في مجتمعه كل حسب زمانه غير أن الكاتب يشير إلى أنه حتى في زمن الوهراني وحدوث الفساد حينها إلا أنه يشير إلى أنه قد كانت أحسن حالا حيث تحققت بعض الانتصارات، وبالتالي أفضل من أيامنا هذه كما يجد المتلقي أثر الدين قد بث في حنايا النص، وإن كنا نعاني عربيا من أثر تلك الجماعة التي تحاول احتكار الدين، فالكاتب يحاول أن يستعير الأدوات إلا أنه يتناولها في إطار معرفي، ويلقي الضوء من خلال المعرفة على بعض ما نعاني ويعود ذلك لتشبع الكاتب من الموروث الديني ليستفاد منه في إطار الدراما، ولعل الاستخدام المخفف من عناصر الدين تجعل منه استخداماً مشروعاً خاصة إذا ما كان هذا المستخدم على هذا النحو المخفف جزءاً من التراث أي من الثقافة العامة، وككثير من العروبيين نجد أن الكاتب يقابل بين المتناقضات في إطار ما هو ماثل حالياً من تنافر مجتمعي وما كان عليه المجتمع العربي من قبل من حالة من التماسك ويبث الكاتب في ثنايا كتابه انتقادات لفواصل الحدود على لسان الوهراني حين يقول له الراوي: لو أنك ركبت بغلتك من المغرب إلى بغداد لأوقفت عشرين مرة عند نقاط الحدود فيجيبه الوهراني لكني لم أعبر بلاد العرب والمسلمين في استنكار منه لعملية التفتيش فيما هو لا يزال في داخل حدود البلاد الواحدة كما يظن، وكذا حتى تصل الوهراني الفكرة بأن اليهود استولوا على فلسطين، تماماً كما حدث لصقر قريش في مهرج محمد الماغوط. ويعرج الكاتب على جماعة تتشدق باسم حقوق الإنسان لكنهم يحرمون الحلال ويحللون الحرام طبقا لما يرد إليهم من الأميركان، ويستعرض الكاتب عبر المسرحية ما يجري على الأرض المحتلة حتى يصل بالوهراني في ختام النص بالندم على ما تناوله من منامات حيث ينم إليه من إحساس أن حكايات مناماته لم تأت دورها، ولقد حاول الكاتب عبر المنامات التهرب من الواقع تحت طائلة المساءلة على اقواله ولا يصل لها بالقول الصريح، وإنما تركها إلى فطنة المتلقي، وبذلك لم يواجه الكاتب الأمر حقا المواجهة وإنما استتر وراء منامات ورمز أو أشياء مستغلقة لا يفهمها الجمهور العادي، ويوجه الوهراني في الختام إلى الراوي سؤالاً قائلاً النوم سلطان والنائم سلطان فأي سلطان كنت أنت، فيجبه الراوي في الختام ملخصاً الرواية هي لم تنم بينما كنت أنام، كان النوم ملجأي وملاذي حين تزدحم الطرقات بالبساطير وعيون العسس كنت أرى النهار طويلاً، وعندما يجن الليل أنام مثل بغل مهدود، لا أرى مناماً ولا يحزنون مناماتي أنا ابتدعها في النهار كنت أرويها لهم فيضحكون، وانطق لهم بغلتي فيضحكون، كنت انطقها لهم حتى لا أموت من قهر الصمت. أما النص الثاني الكاتب وهو تجليات ضياء الروح، وهو دراما أيضا في إطار الحلم إلا أنه على الرغم منه كونه حلماً إلا أنه يصب في إطار تجليات الروح، إلا أن الإشكالية في هذا النص أنها ليست تجليات في شكل نص مسرحي وأن المتعاملين معها من الفرجوية إنما يتعاملون معها من خلال إطار درامي كلاسيكي دون أن يكون للفرجوية أي مكان، إلا أن ما يضعه الكاتب من نصوص خلال أقواس ما هو إلا أن يؤدي بعض الوظائف منها الإشارة التي سوف يتم منها تفعيل النص إما عند المخرج فعادة لا يكون هذا النص الموازي أي دور فالنص الموازي يتوارى في عقل الكاتب في حين أن النص المكتوب هو ما سوف يحفظه الممثل لكي يتعامل معه ويؤدي من خلاله دوره، لهذا فتسمية النص هنا بأنه فرجوي فهو من قبيل نية الكاتب نسبة لغياب النص مكتوب يبين النص الموازي ويمكن استنباط طبيعة النص ومعرفته من خلال أسماء الشخصيات فهي شخصيات تحمل أسماء ذات دلالة على نحو ما جاء في أسماء عطف القلوب، فرط الرمان، حكمة الزمان، بهلوان عنان، سر القمر، الأسود، فإذا استثنينا فرط الزمان والبهلوان، نجد أن معظم الأسماء تحمل أسماء ذات معانٍ أو صفات فالقصة هي مختصر لعلاقة للملك الشاب ضياء الروح وعملية السعي لتزويجه من ابنة الوزير الحسناء فرط الرمان غير أنه في منتصف طريق مساعيه، يعلق بأخرى تدعى، سر الروح فيهيم بها الملك الشاب حباً وعشقاً ولكن الأسود يحاول أن يصرعه ويدبر الوزير حكمة الزمان لشفاء فرط الزمان بأن يخرج سر القمر من نافورة ماء حديقة القصر وضياء الروح وتمتزج سر القمر بفرط القمر، ويتلاحظ من الأسماء أن المؤلف يستخدم لغة صوفية للتدليل على المعاني التي يقصدها ولكنه يعرف في نفس الوقت أن هذه اللغة الصوفية ربما تكون عائقاً لفهم بعض المشاهدين فسعى إلى محاولة الرجوع به إلى التراث المعرفي العام المرتبط بمعرفة القصص الغرائبية وخاصة ألف ليلة وليلة فيزج لهم أسماء ألفوها وعرفوها من أمثال فرط الزمان والبهلوان في تلك الروايات، وكذلك حاول المؤلف أيضا استخدام البعد الديني. للتذكير كتاب «آخر منامات الوهراني.. حلم مسرحى فرجوى فى عشرة تجليات«، تأليف غنام غنام، تقديم مجدى الحمزاوي، صدر ضمن سلسلة نصوص مسرحية، التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر ويقع الكتاب في 187 صفحة من القطع المتوسط.