يعد المفكر المغربي الدكتور عبد الإله بلقزيز؛أستاذ الفلسفة بكلية الآداب،والعلوم الإنسانية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء،من أبرز المفكرين المغاربة الذين قدموا قراءات متميزة في خطاب الحداثة الفكرية في الوطن العربي،حيث عرف بقراءاته النافذة،ورؤاه الشاملة،ودراساته النقدية والتحليلية المستفيضة. وفي كتابه:«من النهضة إلى الحداثة»الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت يرصد لحظة جديدة من خطاب الحداثة في الوطن العربي،تنطلق مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين،ويتوقف ملياً مع أهم أسئلتها الفكرية، ويتطرق إلى مجموعة من المسائل،والمساهمات التي تعتبر في جملة المواد الأكثر تمثيلاً لخطاب الحداثة منذ خمسينيات القرن العشرين،كما يقدم رؤى تحليلية و نقدية عن مجموعة من النصوص التي تعكس أفكار ممثليها،ويؤكد على ضرورة قراءة الحداثة في الفكر العربي بعيداً عن فكرة المضاهاة،والقياس بناءً على مثال سابق،ويلح على التسليم بأن ماهيتها كحداثة ناجمة عن نظرتها الحديثة،وذلك بمعزل عن مطابقتها،أو عدم مطابقتها للنظرة الأصل،كما يؤكد على الابتعاد عن فكرة النموذج الأوحد الذي يتأسس على تجاهل سياقات التطور التاريخي،وقانون التراكم في الفكر. يقول المؤلف عن المفكرين،الذين رصد أطروحاتهم،وأفكارهم:«لا أحسب أحداً يجادل في قيمة أولئك الذين تناول الكتاب أطروحاتهم بالدرس،لكن الأهم من الأسماء-على أهمية كل واحد منهم- المسائل الفكرية التي طرقوها وقدَّموا رؤاهم فيها،فهي في مقام الأمّهات من مسائل الفكر العربي المعاصر»،كما يقرر في مقدمة الكتاب أن الحداثة الفكرية العربية ناجمة عن اتصال فكري عربي لم ينقطع بمصادر الفكر الغربي منذ قرن،ونصف القرن تخلله جميع أنواع الصلة من التقليد،والاقتباس،والاستلهام،والتأويل،والحوار،والنقد، وفي الوقت عينه نشأت للإجابة عن أسئلة خاصة بالمجتمع العربي،والثقافة العربية،ويذكر أن خطاب الحداثة في الفكر العربي المعاصر مرَّ من لحظتين فكريتين،وإشكاليتين امتدت الأولى حتى منتصف القرن العشرين،كان فيها نهضوياً،أي أنه كان خطاباً في النهضة،والثانية بدأت منذ عقد الخمسينيات من القرن الماضي،وكان فيها حداثياً،أي خطاباً في الحداثة،وقد فكّر الحداثيون النهضويون في مسائل التمدُّن،والحرية،والدستور،والعقل،كما تداولوا إشكاليات الأصالة والمعاصرة،والقديم والحديث،والأنا والآخر،ولم يشكلوا قطيعة مع مسائل النهضويين،وإنما قاموا باستعادتها من جديد،ولاسيما بعد الهزيمة،وصعود خطاب الأصالة،كما طرقوا موضوعات،لم يطرقها السابقون لهم كونها لم تفرض نفسها عليهم. ويشير الباحث إلى أن هناك أربع سمات تتسم بها الموجة الثالثة من موجات الحداثة في الفكر العربي المعاصر منذ بدايتها في خمسينيات القرن العشرين: أولاها أن مفكريها كانوا أكثر اتصالاً بمصادر الفكر الغربي،وتيارات الحداثة،كونهم تخصصوا أكثر من السابقين،الذين ألموا بموضوعات شتى،وتعددت اهتماماتهم،إضافة إلى أن الجيل الحداثي الجديد معظم رموزه تلقوا تكوينهم في حقبة الثورة المعرفية الجديدة التي شهدتها الثقافة الإنسانية منذ سنوات الثلاثينيات،وتأثروا بها،وانتموا انتماءً صريحاً إلى بعض مدارسها. وثانيتها غلبة منزع أكاديمي في التأليف،و نقص في منسوب التبشيرية في التفكير،وذلك مقارنة بجيلي الحداثة السابقين،ولاسيما الجيل الثاني منهما. وثالثتها العلاقة النقدية بالمرجعين الثقافيين:التراثي والغربي،حيث تميز جيل الحداثة الثالث بسعة اطلاعه على المصدرين،إضافة إلى أنه كان نقدياً تجاه المعرفة الغربية،وتجاه التراث كذلك. ورابعتها تتصل بالسمة السابقة،وهي التركيبية،فالمؤلف يرى أن نزعة تركيبية نمت في خطاب الحداثة لدى الجيل الثالث من المفكرين،ويصفها بأنها«كناية عن نظرة إلى مسائل المعرفة والفكر التاريخي والسياسة والاجتماع تستدخل حقائق الميراث الثقافي والديني،وما تفرضه من تأثيرات في تشكيل رؤى الحاضر،وعلاقاته في رؤية حداثية تنشد التقدم،وتبني له فكراً بعيداً عن فكرة النموذج الجاهز». بيئة الخطاب يكشف الدكتور عبد الإله بلقزيز في القسم الأول من الكتاب أن الفكر العربي بتياراته المختلفة منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر ظل يدور حول إشكالية كبرى عامة هي إشكالية التقدم،وجميع الأسئلة الفرعية فيها تعبر عن هاجس التقدم،ويشير إلى أن الخطابات الثلاثة(الإصلاح،والنهضة،والحداثة)هي لحظات فكرية متعاقبة،ومتزامنة،وهي تعبيرات متنوعة تندرج ضمن إشكالية واحدة جامعة هي إشكالية التقدم،وتحت تأثير معطيات الثورة الوطنية، والثورة الفكرية في سنوات الخمسينيات،والستينيات ظهرت أسئلة فكرية جديدة،ومع جيل الثورة ولدت فكرة التحرر الوطني في أوجهها المختلفة:السياسية،والاقتصادية،والاجتماعية،والثقافية،وتولدت معها إشكاليات جديدة من بينها التحرر السياسي من الاستعمار،والسعي إلى الاستقلال،وكذلك التحرر الاقتصادي من التبعية للأجنبي،وتحقيق استقلال اقتصادي، والسعي إلى التنمية المستقلة،والتحرر الاجتماعي، والثقافي،والتخلص من التبعية الفكرية،وأدواتها،وذلك من أجل بناء الثقافة الوطنية،والثقافة القومية،وهكذا بدأ التحول،والانتقال من فكرة الحرية إلى فكرة التحرر لدى جيل الحداثيين الجديد،وقد آذن هذا الانتقال بالخروج من مرحلة التفكير انطلاقاً من مفهوم الفرد إلى مرحلة التفكير انطلاقاً من مفهوم الأمة،والشعب،والمجتمع،كما أدى إلى وقوع تحول كبير في مضمون إشكالية التقدم،وفي رهانات تحقيق أهداف المجتمع العربي،وقد تجلى هذا التحول في انتقال خطاب الجيل الجديد،جيل ما بعد الحرب من إشكالية النهضة إلى إشكالية الثورة،ومن مفهوم النهضة إلى مفهوم الحداثة. تحت عنوان:«نقد المعرفة:التراث والغرب»يذكر المؤلف أن فكرة الحداثة،وبعد أن ملكت حقل المعرفة،والثقافة،وعرفت انتشاراً واسع النطاق في مختلف المؤسسات في سنوات الخمسينيات و الستينيات سرعان ما تبددت في الربع الأخير من القرن العشرين،والعقد الأول من القرن الحالي،وقد أخلت المجال لفكرة الأصالة،كما يذكر أن تجدد سؤال التراث في الفكر العربي لا يعني سوى أن الثورة والحداثة لم تقدما حلاً لمشكلة العلاقة بالماضي،لأنهما لم تجيبا عن أسئلة معاصرة،لو أجيب عنها بشكل صحيح وتاريخي،لما تم الالتجاء مرة أخرى إلى المنظومة التراثية،ويرى الدكتور بلقزيز أن الهدف الفكري الذي ظل واحداً على امتداد أربعين عاماً،وإن تنوعت وسائل تحصيله إشكالياً،ومنهجياً هو:نقد التراث،من حيث إنه سلطة مرجعية في الفكر والمجتمع،ونقد العقل الذي أنتج تلك السلطة في الماضي،ويعيد إنتاجها في الحاضر. وبخصوص نقد الفكر الغربي رأى المؤلف أنه كان نقداً إيديولوجياً في معظم الأحيان،ولم يركز اهتمامه بالمعرفي في هذا الفكر،أما المرحلة الثانية من النقد التي بدأت مع الجيل الجديد،جيل الثورة والهزيمة فهي تختلف عن الأولى ،إذ أنها موجة نقد فكري،وفلسفي عميق لمنظومات الفكر الغربي،ومن قاموا بها هم مفكرون عارفون بهذا الفكر،ومطلعون على مصادره،كما أنها موجة نقد معرفي قام به مثقفون لم تعد أفكارهم على مسافة كبيرة من الليبرالية بعد أن ظهر أنها محطة في تاريخ الفكر والمجتمع لا يمكن تجاوزها. ويذهب الدكتور عبد الإله بلقزيز إلى أن ذلك النقد يمكن رده إلى ثلاث لحظات نقدية كان موضوعها الإجمالي هو الفكر الغربي،فقد انصرف في لحظته الأولى إلى الليبرالية في الفكر الغربي من منظور تاريخي جدلي،وتركز في اللحظة الثانية على العقل الغربي،ومضمونه الفلسفي،وآليات التفكير فيه،وموجهاته،وبذلك فقد كان نقداً للحداثة من داخل الحداثة نفسها،أما في اللحظة الثالثة فقد تناول المعرفة الغربية بالإسلام(الاستشراق)،وتزامن مع تزايد الاهتمام بتحليل ونقد المعرفة التراثية. الدولة الوطنية والحداثة السياسية:التراكم والإخفاق عالج المؤلف في القسم الثاني من الكتاب جملة من القضايا تتصل بمنطق الدولة الوطنية،والنهضة،والثورة،والعلمانية،وغيرها،وقدم مناقشات متميزة،ويرجع الدكتور عبد الإله بلقزيز اهتمامه بموضوع الدولة الوطنية إلى ثلاثة أسباب رئيسة: أولها يرجع إلى أن سؤال الدولة كان سؤالاً رئيساً في وعي مثقفي الحداثة العرب المعاصرين،وقد تجلى في الكثير مما كتبوه،وظهر في مؤلفاتهم،وهذه ليست خاصية ينفرد بها مثقفو الحداثة،بل ظهرت مع من سبقهم من مفكري القرن التاسع عشر. وثانيها يعود للصلة الموضوعية بين التفكير في ظواهر مختلفة للحداثة،والتفكير في الدولة الوطنية على اعتبار أنها البؤرة التي تتجمع فيها تلك الظواهر،أو تتقاطع. والسبب الثالث يرجع إلى أن الدولة تشكّل رهاناً رئيساً لإنجاز الحداثة،وتحديث المجتمع. في مناقشته لمنطق الدولة الوطنية ذكر بأن الدكتور أنور عبد الملك لعله يكون الأول في جيل الثورة الذي دشن التفكير مجدداً في مسألة الدولة الوطنية من ضمن تفكير أشمل في مسألة النهضة،وقد رأى أنه كان في المكان المناسب الذي يسمح له بإثارة المسألتين من جديد:مصر،وفي الزمن المناسب الذي يحمل على تلك الإثارة، وهو زمن الثورة،وقد انطلق في معظم ما كتب من حالة مصر،ولكن استنتاجاته ?كما يرى المؤلف-قابلة للانطباق على مجمل الوطن العربي،ليس لأنه يجد طريقة في كتاباته يربط بين وضع،ووضع البلدان العربية فحسب،وإنما نظراً لتشابه الحالة المدروسة مع حالة البلاد العربية عامة،ولوجود السؤال النهضوي نفسه في جوف الفكر العربي. توقف المؤلف ملياً مع رؤية علي أومليل للدولة الوطنية،وذلك على نحو ما تمثلها الإصلاحيون الإسلاميون في القرن التاسع عشر،و الإحيائيون الإسلاميون في القرن العشرين،فقد اهتم علي أومليل اهتماماً كبيراً بالبحث في سؤال الدولة الوطنية في الوعي الإصلاحي الإسلامي،وأثار جملة من الأسئلة في منتهى الأهمية عن كيفية تولده؟وتساءل عن الشروط التي نشأ فيها؟ وكيف تمثل الإصلاحيون تلك الدولة؟وما مفهومها في وعيهم؟ وغيرها من المساءلات العميقة التي ناقشها بعمق،وموضوعية. وينظر الباحث إلى الرؤى المقدمة من قبل علي أومليل في سعيه لبيان سياقات التفاعل بين وعي الإصلاحية العربية،والأفكار الليبرالية الحديثة الوافدة في ركاب الدولة الوطنية الحديثة بأنها شديدة الموضوعية،حيث إن علي أومليل-كما يرى المؤلف-كان شديد الحرص،والتأكيد على الحاجة إلى أخذ ظرفية التلقي،والاستقبال في حسبان التحليل،وذلك لفهم الأسباب التي حملت الإصلاحية على نوع محدد من الإدراك لمنظومة المفاهيم الحديثة،وللدولة الوطنية فيها على نحو خاص،كما أن احترازاته العلمية المشروعة التي تهدف لتقديم قراءة موضوعية تتسم بالإنصاف لم تمنعه من بيان الآثار الفادحة التي نتجت عن ذلك النوع من التأويل الإصلاحي للأفكار،والمفاهيم الحديثة على صعيد تشكيل فكرة إصلاحية حديثة غير انتقائية،فالدكتور علي أومليل في قراءته لفكرة الدولة الوطنية يدعو إلى تحري الانتباه الأقصى في قراءة مفردات هذا الوعي ومفارقاتها،وإلى وجوب إرجاعها إلى شروطها التاريخية التي تشكلت فيها. خطاب الحداثة في القسم الثالث من الكتاب،وتحت عنوان:«الدولة والإصلاح:مطالعات نقدية»رأى الدكتور بلقزيز أن المفكر عبد الله العروي خطا خطوة غير مسبوقة في مناقشاته لإشكالية الدولة،والتنظير لها،وقد شغل بمسألة الدولة منذ ولوجه عالم الكتابة،وعني بالكثير من القضايا المتعلقة بإصلاحها،واقترن الهاجس الإصلاحي عنده بنقد نظامها السياسي،وطريقة أدائها،ويعلق على جهود الدكتور عبد الله العروي في هذا الشأن بقوله:«لا نعلم نصاً نظرياً رصيناً في إشكالية الدولة في نطاق الفكر العربي المعاصر أكثر عمقاً ورصانة من كتاب العروي«مفهوم الدولة»،كتب كثيرون نصوصاً عميقة في تحليل الدولة في البلاد العربية المعاصرة-وغالباً من موقع علم الاجتماع السياسي-مثل تلك التي كتبها خلدون حسن النقيب،ووضاح شرارة،ومحمد جابر الأنصاري،وبرهان غليون،وبعضهم من موقع علم السياسة مثل غسان سلامة،أو من موقع الأنثروبولوجيا السياسية،وعلم الاقتصاد مثل جورج قرم...،غير أن كتاب العروي يظل الأكثر استيفاءً لمعنى النص التنظيري». وفي مناقشته لمعنى الحداثة ذكر أنه يتردد في معظم صفحات مقالات ودراسات ياسين الحافظ التي كتبها منذ النصف الثاني من الستينيات،وقد عرض بالتعريف لمعنى الحداثة،وما يرتبط بها من مفاهيم في مستهل كتابه«التجربة التاريخية الفيتنامية»ضمن مسرد مفاهيمي تطرق فيه لجملة من التعريفات تدور خمسة منها في فضاء مفهوم الحداثة،وقد رأى أنها نمط حضارة مميز يتناقض مع التقليد،فالتقليد ينجذب نحو الماضي،في حين أن الحداثة تنزع نحو المستقبل، وتظهر في شتى الميادين:الدولة الحديثة،والتقنيات الحديثة،والآداب والفنون الحديثة،والأفكار الحديثة. ويعرِّف ياسين الحافظ الليبرالية بأنها منظومة الأفكار،والقيم التي تكونت في الغرب في القرنين السابع عشر،والثامن عشر،وحاربت بها الطبقة البرجوازية الفتية الأفكار،والأنظمة،والقيم،والمؤسسات الوسطية-الإقطاعية،وما تميز به ياسين الحافظ أنه يشدد أكثر على النظر إلى محتواها الثوري،أي على اعتبار أنها ثورة على منطق العصور الوسطى،وعلى نظمها ومؤسساتها،أكثر من تشديده على جوانب الطفرة الفكرية فيها. أما التاريخانية فهي تلك النظرة التي تتمسك بمبدأ خضوع التطور الإنساني للمجتمعات،والبنى،والأفكار لمنطق التاريخ،أي لمنطق الانتقال الموضوعي من مرحلة إلى مرحلة تتولد عنها،ولا تخرج من عدم،فهي النزعة التاريخية التي أطلق عليها العروي اسم التاريخانية. ويرتبط بهذه المفاهيم الثلاثة مفهوم العقلانية،وهي في صورتها الحديثة،ووفقاً لتعريف الحافظ فلسفة الأنوار،أو هي الليبرالية على الصعيد المعرفي،وقد بدأت كرؤية جديدة للعالم في ضوء نتائج الاكتشافات العلمية. ويتعلق المفهوم الخامس بمسألة العلاقة بين الدولة والدين،ويشير الدكتور عبد الإله بلقزيز إلى أن الجامع بين هذه المفاهيم هو المفهوم الشامل للحداثة،بحيث تبدو تجليات مفاهيمية له،أو تشكيلات فرعية منه. وفي الفصل الأخير من هذا القسم الذي جاء تحت عنوان:«في الدفاع عن الحداثة ونقدها»عالج المؤلف الكثير من المسائل المتعلقة بمعنى الحداثة،وصورتها في الوعي العربي،والحداثة الأوروبية وديناميتها الداخلية،وإخفاق التحديث السياسي. وتوقف مع رؤى المفكر هشام جعيط،وتحليلاته المتميزة،حيث يرى أن هشام جعيط واحد من المفكرين العرب المعاصرين القلائل الذين يمثلون جيلاً فكرياً نهضوياً جديداً،وتمثل أعمالهم لحظة فكرية نوعية جديدة في مشروع النهضة الثقافية العربية،وهي اللحظة النهضوية الثالثة في الفكر العربي المعاصر،وأوضح رؤية جعيط للحداثة ،إذ يرى أنها ليست حقيقة زمنية دياكرونية تراكمية وكمية في المغامرة الإنسانية،بل إنها ثورة في تطور تلك المغامرة،وتحول حاسم في مسارها،وفي منطقها لم يكن له نظير في الحدة،والأهمية منذ آلاف السنين،وهي ليست فقط مسألة بروز،ونمو وازدهار حضارة جديدة أخرى سيطرت على غيرها من الحضارات،بل هي عبارة عن تحول عميق في تطور الإنسانية،فهي قطيعة مع ماضٍ حضاري حكمه منطق التراكم،والتطور داخل البنية التاريخية-الثقافية عينها،وإنشاء لنظام من التراكم،والتطور جديد.