إلتحاق آلاف المتربصين الجدد بمقاعد التكويني المهني بغرب البلاد    حماس: تأخير الكيان الصهيوني الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين "خرق فاضح لصفقة التبادل"    إيتوزا : إطلاق خط جديد يربط مفتاح بتافورة    كرة القدم/ كأس افريقيا 2026 /اناث: سيدات المنتخب الوطني يواصلن تحضيراتهن بالجزائر العاصمة    سلامة: محطات تحلية المياه المنجزة..مكاسب حقيقية للجزائر وتضعها في موقع قوة إقليميا    رئيس مجلس الشيوخ المكسيكي يؤكد دعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره    صدور المرسوم التنفيذي المتضمن رفع قيمة منح المجاهدين وذوي الحقوق    مجلس الأمن يعتمد قرارا يدين الهجمات في جمهورية الكونغو الديمقراطية والاعتداء على المدنيين    تقديم العرض الشرفي الأول لفيلم "من أجلك.. حسناء" للمخرج خالد كبيش بالجزائر العاصمة    الطارف : انطلاق التربص التكويني لمدربي كرة القدم FAF1 بالمركب الرياضي تحري الطاهر    القانون الأساسي لموظفي التربية    نثمن الانجازات التي تجسدت في مسار الجزائر الجديدة    جائزة التميّز للجزائر    رهينة إسرائيلي يقبل رأس مقاتلين من كتائب القسام    معركة فوغالة كانت بمثابة القيامة على جنود العجوز فرنسا    بوغالي يلتقي اليماحي    جنازة نصر الله.. اليوم    ربيقة يشارك في تنصيب قائد جيش نيكاراغوا    شبكة وطنية لمنتجي قطع غيار السيارات    تعديل في نظام تعويض أسعار القهوة الخضراء المستوردة    اقتناء "فيات دوبلو بانوراما" يكون عبر الموقع الإلكتروني    اتحاد التجار يطلق مبادرة لتخفيض أسعار المنتجات الغذائية    باتنة: الدرك الوطني بوادي الشعبة توقيف عصابة تنقيب عن الآثار    خنشلة: الأمن الحضري الأول يوقف شخص تورط في قضية النصب    اجتماعٌ تنسيقي بين وزير السكن ووزير الفلاحة والتنمية الريفية    هناك جرائد ستختفي قريبا ..؟!    هذا جديد مشروع فيلم الأمير    سايحي يتوقع تقليص حالات العلاج بالخارج    الجزائر المنتصرة تفتخر بانجازاتها العظيمة اليوم وغدا    تعزيز المطارات بأنظمة رقابة رقمية    الإجراءات الجمركية مطبّقة على جميع الرحلات    تكنولوجيا جديدة لتقريب الطلبة من المحيط الاقتصادي    احتجاجات تعمّ عدة مدن مغربية    اعتماد 4 سماسرة للتأمين    وفد من المجلس الشعبي الوطني يزور صربيا    المجاهد قوجيل يحاضر بكلية الحقوق    مبادرات مشتركة لوقف إرهاب الطرق    مدرب مرسيليا الفرنسي يوجه رسالة قوية لأمين غويري    نادي ليل يراهن على بن طالب    مولودية الجزائر تطعن في قرار لجنة الانضباط    استعمال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم    تراث مطرَّز بالذهب وسرديات مصوَّرة من الفنون والتقاليد    رضاونة يجدّد دعوة ترسيم "الأيام العربية للمسرح"    مستفيدون يُجرون تعديلات على سكنات تسلَّموها حديثاً    العاب القوى/الملتقى الدولي داخل القاعة في أركنساس - 400 متر: رقم قياسي وطني جديد للجزائري معتز سيكو    الأولمبياد الوطني للحساب الذهني بأولاد جلال: تتويج زينب عايش من ولاية المسيلة بالمرتبة الأولى في فئة الأكابر    كرة القدم/رابطة 1 موبيليس (الجولة 17): نادي بارادو - مولودية الجزائر: "العميد" لتعميق الفارق في الصدارة    صِدام جزائري في كأس الكاف    صحة: المجهودات التي تبذلها الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج    أنشطة فنية وفكرية ومعارض بالعاصمة في فبراير احتفاء باليوم الوطني للقصبة    تسخير مراكز للتكوين و التدريب لفائدة المواطنين المعنيين بموسم حج 2025    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    حج 2025: إطلاق عملية فتح الحسابات الإلكترونية على البوابة الجزائرية للحج وتطبيق ركب الحجيج    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    هكذا يمكنك استغلال ما تبقى من شعبان    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشروع النهضوي والتجديد الحضاري
نشر في الحياة العربية يوم 24 - 05 - 2010

وحول مفهوم "التجدد الحضاري"، وفي الفصل الذي يحمل هذا العنوان، نقرأ الرؤية القومية العربية لهذه المسألة الشائكة، معبراً عنها بالأسباب الدافعة للتجدد الحضاري ثم الأهداف التي يستوجب تحقيقها لإنجاز التجدد المنشود، وصولا إلى ما يسميه النص "نسق القيم النهضوي". وهناك سببان يقدمهما النص يدفعان للتجدد الحضاري، الأول هو أن "الوطن العربي يعاني تأخراً فادحاً في البنى الثقافية والاجتماعية نتيجة تراكمات حالة الانحطاط المزمنة فيه والمنحدرة منذ قرون"، والثاني "أن الوطن العربي يعاني أشكالا بائسة من الحداثة الرثة في البنى نفسها... نتيجة اصطدامه بالغرب، وما أحدثه ذلك الاصطدام من ظواهر شوهاء في بناه".
في مُقاربة "التجدد الحضاري" التي يطرحها "المشروع النهضوي العربي" ليس هناك في الواقع "تجدد" فكري يخرج عما تداوله المفكرون والمثقفون العرب خلال قرنين من الزمن إزاء معضلة التخلف الحضاري وكيفية الخروج من المأزق التاريخي الذي يواجهه العرب. والطروحات الفكرية العربية التي يمكن أن نقول إنها شكلت التيار الرئيسي في الفكر العربي الحديث نادت منذ زمن بعيد بالمزاوجة بين الأصالة والمعاصرة، بين التراث والحداثة، بين الاستفادة من آفاق تجربة الحضارة العربية الإسلامية في أزمان ازدهارها، والاستفادة من الحضارة الغربية، وهكذا. وإلى جانبها تواجدت بطبيعة الحال أفكار متطرفة في كل الاتجاهات، رافضة لهذا الجانب من الثنائيات أو ذاك، مشددة على الأخذ بالجانب المُضاد بكليته. ولكنها كانت هامشية وبقي التيار الرئيسي للأفكار يحوم حول فكرة المزاوجة والتأليف بين الثنائيات. قليلون هم الذين رفضوا الغرب والحداثة والاستفادة منهما بهذه الدرجة أو تلك، حتى في أوساط عتاة الأصوليين. وقليلون من نادوا برفض التراث جملة وتفصيلا والانقطاع عنه، حتى في أوساط عتاة الحداثيين. ولكن "المشروع النهضوي العربي" يعيد موْضعة نفسه في ذات المكان الذي وقف فيه مفكرون قوميون عرب منذ أكثر من قرن ونصف، حيث يُطالب ب: "... تجدد حضاري يعيد استلهام كل ما هو نيّر وعظيم ومفيد في خبرتنا التاريخية الحضارية من جهة، ويعيد تأصيل كل ما هو متقدم وناجع وباعث على الانتهاض في المدنية الغربية من جهة ثانية، كي يكوّن منهما نموذجاً حضاريّاً متوازيّاً -على نحو ما فعلت اليابان والصين".
والسؤال الذي يبرز هنا، مرة ثانية، هو: لماذا لنا أن نتوقع مساراً ومستقبلًا جديداً آخر لأطروحة "التجدد الحضاري" كما يطرحها "المشروع النهضوي العربي" غير المسار المتعثر، حتى لا نقول الفاشل، الذي واجهها خلال العقود الماضية؟ فكرة المزاوجة، والوسطية، والنظر النقدي للتراث والماضي، وللحداثة والغرب، ليست جديدة وتكاد تكون الفكرة التي يتبناها الجميع ابتداءً من الحكومات في العالم العربي، إلى الأحزاب والجماعات والحركات والمفكرين بمختلف التلاوين. ومع ذلك لم تحقق هذه الفكرة "التجدد الحضاري" الذي يأمله الجميع. وأن يعود علينا "المشروع النهضوي العربي" بنفس الفكرة بعد مداولات وتأملات دامت خمس عشرة سنة أو أكثر فذلك لا يقدم الشيء الكثير.
وحتى يتم إنجاز "التجدد الحضاري" المنشود لابد من تحقيق أربعة أهداف على الطريق، كما يشير نص "المشروع". أولها: "ممارسة نقد مزدوج لسلطتين مرجعيتين تحكمان الوعي العربي منذ قرنين، وتمارسان عليه تأثيراً هائلًا إلى الحد الذي تشلان قدرته على التجديد أو التأصيل، هما: التراث والغرب". وثانيها: "عدم السقوط في نظرة عدمية إلى التراث وإلى الغرب معاً بدعوى نقدهما .. والبحث عن أفضل السبل إلى بناء علاقة صحيحة وصحية بكل منهما". وثالثها: "إنهاء حالة النزاع داخل المجتمع العربي وفي أوساط نخبه بين العروبة والإسلام وإعادة إدراك الهوية في بعدها التركيبي الجامع...". ورابعها: "حماية ما في الأمة من تنوع ثقافي مصدره روافد ثقافية شعبية متنوعة في المجتمع العربي واعتبار هذا التنوع عامل إخصاب وإغناء للثقافة العربية ينبغي استثماره، لا عامل انقسام وتهديد ينبغي وأده باسم الوحدة الثقافية". وهذه الأهداف جذابة ووسطية وربما لا يختلف حولها وعليها كثيرون. ولكن هناك تعميماً وغائية تجعل من الصعوبة قياس إنجاز تحقيق الهدف من ناحية، والأهم منه قياس درجة الارتباط بين تحقيق هذه الأهداف المعلنة وحصول "التجديد الحضاري". فالهدف الأول، وهو ممارسة نقد للتراث والغرب، هو أمر حصل في السابق ويحصل اليوم بلا انقطاع. وهناك مشروعات فكرية عميقة في طول وعرض العالم العربي خلال العقود الماضية اشتغلت على هذا النقد، ومع ذلك لم يتحقق "التجدد الحضاري". ما هو النقد الجديد والمختلف الذي يطرحه "المشروع النهضوي" لمرجعيتي التراث والغرب الحاكمتين للوعي العربي، والذي يمكن أن يعيد موْضعة المسار العربي على سكة النهضة؟ والهدف الثاني الذي يريد المشروع تحقيقه لإنجاز "التجدد الحضاري" يتعدى تفادي الوقوع في عدمية نقد التراث والغرب، إلى بناء "علاقة صحيحة وصحية" بكل منهما. ومرة ثانية هذا الهدف هو ما كان يأمل الوصول إليه كثير من المفكرين والأحزاب والجماعات على مدار زمن طويل، وليس بالجديد، مع التأكيد أن النظرة العدمية للغرب أو التراث لا تشكل التيار الفكري والسياسي الأساسي في العالم العربي، وبالتالي لا يستحق "التخلي عنها" أن يكون هدفاً بحد ذاته. أما الهدف الثالث وهو "إنهاء حالة النزاع... بين العروبة والإسلام" فهو أيضاً تنظير كلاسيكي وتفكير رغائبي أكثر منه تحليليّاً. وهنا يجدر بالتنبيه ابتداءً أن حالة النزاع هذه (التي كانت محور النقاشات القومية- الإسلامية عند بدايات التفكير في "المشروع النهضوي العربي" في أواخر الثمانينيات) اتخذت أشكالا أخرى. فمن ناحية صارت حالة نزاع بين الإسلام السني والإسلام الشيعي، ومن ناحية ثانية تبلورت حالة نزاع إسلاموية- علمانية، عدا عن حالات الصراع الإثني والقومي (في العراق، والسودان، وموريتانيا ..). وهذه النزاعات ذات طبيعة عملية وواقعية ودموية على الأرض، ويحتاج "المشروع النهضوي العربي" أن يقدم مقاربته تجاهها لا أن يحصر نفسه في إشكالية صارت تتخذ شكلا نظرياً وكلاسيكيّاً أكثر منه عملياتيّاً. وفي الهدف الرابع الذي يدعو إلى "حماية ما في الأمة من تنوع ثقافي..." نلمس نفس التوجه الرغائبي الذي ربما لا يختلف عليه اثنان. ولكن المشكلة هنا أن هذا الانحياز للتنوع الثقافي الذي يتمناه وينادي به الجميع سرعان ما يتحطم أمام أية تجربة عملية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.