يرتبط العنف الممارس ضد النساء في أحيان كثيرة بشكل مباشر أو غير مباشر بجريمة التحرش والاعتداءات الجنسية عن طريق الإكراه والابتزاز، لكن غالبا ما لا تعترف به الضحايا مخافة أن يتهمن من طرف المجتمع بالتواطؤ أو بالتسبب في إثارة الرجال، باعتبارها التهمة الأكثر انتشارا والتصاقا بالمرأة في المفهوم المغلوط الذي يأبى المجتمع الجزائري أن يغيره، والذي يصيب النساء بالإحباط والاكتئاب. لا تسلم المرأة اليوم من ظاهرة التحرش الجنسي المتبوع أحيانا بالألفاظ النابية والملامسات الجسدية في أي مكان كانت، فمنذ خروجها من البيت تواجه المرأة كل أنواع التحرشات سواء في الشارع، في وسائل النقل العامة أو حتى في سيارتها وحتى في بعض أماكن العمل، حيث ينتشر الابتزاز والمساومات الرخيصة، دون نسيان البيت حيث تشير الإحصائيات بأن أكثر مكان تتعرض فيه النساء إلى العنف الجنسي هو البيت وأكثر من يمارس هذا النوع من العنف هو الشريك والزوج. تقول مروة 23 سنة:»أضطر يوميا إلى الركوب في سيارة أجرة ذهابا وإيابا حينما أقصد عملي، لأنني استنتجت أنه الحل الوحيد للتخلص من التحرش الجنسي في وسائل النقل العامة، يا لها من مضايقات مقززة نتعرض لها يوميا من طرف شباب وكهول يسعون إلى استباحة أجسادنا في غفلة منا بحجة الاكتظاظ وهي العبارات التي يرددها المتحرشون كلهم دون استثناء يحاولون استغفالنا بها، لقد سئمت من هذا الوضع ومن المناوشات التي لا تنفع لأن من تخلى عن الحياء وأقدم على مثل هذا الفعل لا يتراجع إذا نهرته أو زجرته، بل ويعضهم يتربص بنا عند النزول مستحلفا وآخرون يتفوهون بكلام بذيء لا يقل سوءا هن العنف نظرا لما يتركه في نفسيتنا من أثر سيء«. أما حياة 29 سنة فتقول:» التحرش في الشارع بلغ مستويات لا تطاق وغالبا ما يكون متبوعا بمحاولات لمس الجسد والإرغام على السماع وعلى التحدث مع المتحرش، خاصة إذا كان الشارع خاليا وليست فيه حركة كبيرة وتتابع: أتذكر أنني منذ أيام كنت على متن سيارتي ومع ذلك لم أسلم من تحرش أحد الشباب الذي حاول قطع الطريق علي بسيارته وهو يطلب مني التوقف بالغصب حتى يحدثني ويعطيني رقم هاتفه، وصار يخوفني بمناوراته الخطيرة ليجبرني على التوقف، حتى كدت أتعرض لحادث مروري خطير ولولا أنه لاحظ حاجزا مروريا خطيرا ولاذ بالفرار لحدث لي مكروه في ذلك اليوم« أما لينا الطالبة الجامعية التي لا تتجاوز العشرين فقالت:» أتعرض يوميا لمضايقات من طرف الطلبة ومحاولات للتعرف علي بالإكراه، والمشكل الأكبر أن هذا يحدث حتى من طرف بعض الأساتذة سامحهم الله.لأنهم يستغلون منصبهم مقابل الخروج مع الطالبات وإقامة علاقات محرمة للمتعة فقط، إذ لا مستقبل للعلاقات التي يقترحونها على الطالبات لأنهم كلهم متزوجون. ومن المؤسف جدا أن الكثيرات ينصعن لهم ويستجبن لرغباتهم مقابل الحصول على العلامات الجيدة، وأعتقد أن تساهل بعض الفتيات في هذا الأمر فتح الباب واسعا أمام هذا النوع من المقايضات والابتزاز الرخيص«. »أمنستي« تدعو إلى سن قوانين جديدة لحماية المعنفات حذر تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية الجزائر من الوضع المهين للنساء المعنفات جنسيا في الجزائر، ودعا إلى ضرورة وضع حد للتمييز ضد الناجيات من العنف الجنسي، والإسراع في سن قوانين جديدة وسياسات شاملة توفر الحماية الكافية والعادلة للنساء والفتيات من هذا العنف. وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن القانون الجزائري يقوم على »مبادئ تمييزية« تجعل شدة العقوبة متوقفة على ما إذا كانت الضحية عذراء أم لا، وهو ما اعتبرته »معيبا للغاية« ولا بد من إلغائه، داعية في ذات السياق إلى اعتماد قوانين وسياسات شاملة توفر الحماية للنساء والفتيات من العنف الجنسي، بإلغاء القوانين غير الملائمة، ووضع حد للتمييز ضد الناجيات من هذا العنف. وأعابت المنظمة كون القانون الجزائري يسمح للمغتصب بالإفلات من العقاب إذا تزوج ضحيته إن كانت دون سن ال,18كما دعت المنظمة إلى ضرورة اعتبار العنف الجنسي الزوجي جريمة جنائية تستحق العقوبة أيضا. في انتظار إطار قانوني واضح يحمي ضحايا العنف الجنسي تشير آخر الأرقام التي رصدتها مصالح الأمن إلى تسجيل 1818 حالة عنف جنسي سنة 2013 بين الجزائريات، يحدث هذا في وقت يعتبر فيه الحقوقيون أن الإطار القانوني لحماية النساء من العنف الجنسي في الجزائر غير واضح وتعاب عليه بعض الثغرات التي لا تتلاءم مع مستجدات العصر، ومن بينهم المحامية والناشطة الحقوقية فاطمة بن براهم التي ألحت على ضرورة مراجعة النصوص القانونية التي تعود إلى العهد الاستعماري والتي »لا تحدد بوضوح« فعل الاغتصاب. كما تعتبر أيضا أن الأفعال الجنسية المخالفة للطبيعة يجب أن تعتبر اغتصابا أيضا. كما أكدت أن الاغتصاب جريمة تستحق عقوبة سجن تتراوح بين 5 و8 سنوات. آثار نفسية وخيمة على الضحايا لا شك في أن تجربة التحرش الجنسي أو الاعتداء على المرأة تعد من أسوأ التجارب التي تتعرض لها وتترك آثارا نفسية مدمرة عليها وقت حدوثها، وفي أغلب الأحيان تمتد آثارها لتلازم المرأة طيلة حياتها وما لم يجر علاجها بالشكل النفسي الملائم يكون لهاته الظاهرة الخطيرة آثار سلبية عديدة، وينتج عنها أزمات نفسية كثيرة تعاني منها المرأة، فبالرغم من كونها الضحية يتولد لديها شعور بالذنب بعد تعرضها للتحرش الجنسي، وتشعر بأن ما حدث بمثابة خيانة لزوجها إن كانت متزوجة، وبكونها أصبحت محرمة عليه، وقد يقودها بالتالي هذا الاعتقاد إلى طلب الطلاق، وتتخذ هذا القرار دون أن تصارح زوجها بحقيقة ما تعرضت له. وتصاب المرأة بعد تعرضها للتحرش الجنسي بحالات الاكتئاب وتعاني كذلك من حالات القلق، ويجعلها الخوف تمتنع عن الخروج إلى الشارع وترفض الذهاب إلى عملها، خاصة إذا كانت قد تعرضت للتحرش الجنسي في مكان العمل. وتؤكد الأخصائية النفسانية بديعة بن محمد بأنه إلى جانب كون الاعتداء الجنسي حدثا صادما وله الكثير من التأثيرات النفسية والسلوكيّة على الضحية؛ حيث يمثّل لمعظم الضحايا فقدانَ الحياة، وفقدان الحب والأمان، ويسبب لهن المعاناة العائلية والمجتمعية، تعاني أغلب النساء من ملامة الأهل والمجتمع إضافة إلى كل هذه المعاناة.