تواصل الدول العربية مساعيها من أجل بناء تصور مشترك في إطار الحرب على التطرف والإرهاب، وقد شكل الاجتماع الذي عقده أول أمس خبراء الدول العربية المختصون في الشأن الأمني بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، سانحة لتطوير التعاون العربي المشترك، بحيث سمح بوضع إجراءات عملية وقابلة للتنفيذ لصيانة الأمن القومي العربي ومكافحة الجماعات الإرهابية والمتطرفة في المنطقة. أكد نائب الأمين العام للجامعة العربية احمد بن حلي في كلمة له خلال افتتاح الاجتماع »إن المطلوب من هذا الاجتماع هووضع إجراءات عملية قابلة للتنفيذ لمكافحة الإرهاب لعرضها على اجتماع وزراء الخارجية العرب المقرر في 15 جانفي الجاري لإقرارها وربما لرفعها إلى القادة العرب في القمة العربية المقبلة التي تستضيفها مصر نهاية مارس المقبل لتمثل الخطوط العربية الرئيسية لمواجهة هذا الإرهاب، مضيفا أن الإرهاب في المنطقة وصل إلى مرحلة غاية في الخطورة وبأسلوب جديد حيث لم يعد الإرهاب قاصرا على جماعات بل أصبح له منظمات تحتل أراضي وتهدد مقومات الدول الوطنية ووحدتها وسلامتها الإقليمية، كما يهدد الأمن القومي العربي في الصميم، في إشارة إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف اختصارا باسم »داعش« والذي اكتسح في الأشهر الأخيرة مساحات واسعة من الأراضي السورية والعراقية وأصبح يشكل تهديدا حقيقيا لأمن كل الدول العربية تقريبا. وبحسب نائب الأمين العام للجامعة العربية فإن خطورة المرحلة تتطلب مواجهة حاسمة لهذا الإرهاب من النواحي الأمنية والفكرية والقضائية والسياسية والإعلامية والدينية، مطالبا بضرورة إعادة قراءة ما ورد في معاهدة الدفاع العربي المشترك والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب باعتبارها مرجعيات للعمل العربي الجماعي حتى تواكب هذه التهديدات وتعطى النتائج المطلوب منها، مؤكدا من جانب أخر أن وزراء الخارجية العرب في قرارهم الصادر في 7 سبتمبر الماضي كلفوا الأمين العام بإعداد دراسة شاملة واقتراح خطوات عملية قابلة للتنفيذ وطرح أسباب ظاهرة الإرهاب والحلول العملية لمواجهتها، موضحا أن الأمين العام اعد هذه الدراسة وفق خبراء مختصين في مجال مكافحة الإرهاب وتم إرسال هذه الدراسة إلى الدول العربية لإبداء رأيها وملاحظاتها، وأوضح أيضا أن مناقشات الخميس تتركز على تنفيذ الفقرة التاسعة من قرار وزراء الخارجية العرب بشأن »صيانة الأمن القومي العربي ومكافحة الجماعات الإرهابية المتطرفة، »بهدف بلورة مقترحات محددة وإجراءات عملية قابلة للتنفيذ بشأن التصدي لظاهرة الإرهاب واجتثاث جذورها والتعامل مع ما يحمله الإرهاب من تحديت ومخاطر على الأمن القومي العربي ووحدة النسيج المجتمعي المتعدد للدول العربية بمختلف مكوناته الحضارية والدينية والمذهبية والعرقية. وقال رئيس فريق الخبراء العرب المختصين بمتابعة قضايا الإرهاب محمد باباه ممثل موريتانيا باعتبارها رئيس مجلس الجامعة في دورته الحالية، أن هذا الاجتماع التمهيدي لفريق الخبراء سيتبعه اجتماعات أخرى لاستكمال المناقشات وبلورة المقترحات المحددة القابلة للتنفيذ قبل عرضها على وزراء الخارجية العرب، فيما طالب رئيس لجنة الشؤون السياسية والخارجية والأمن القومي بالبرلمان العربية أحمد المشرقي من الدول العربية أن تأخذ بأيديها مواجهة الإرهاب الشاملة من جميع النواحي الفكرية والسياسية والثقافية والدينية والاجتماعية، مشيرا إلى أن المجتمع عندما يكون موحدا ومتلاحما يكون اقدر على مواجهة الإرهاب. وتنظر جل الدول العربية إلى الخطر المتنامي لتنظيم »داعش« كتهديد مباشر لأمنها القومي، وما لم يقدر تنظيم »القاعدة« بفروعه المختلفة على تحقيقه بجمع مختلف الدول العربية حول خطة عمل أوإستراتيجية موحدة لمواجهة ظاهرة الإرهاب، سيتحقق من دون أدنى شك بسبب تنظيم أبوبكر البغدادي على اعتبار أن الخطر الإرهابي في هذه الحالة لا يستثني أي دول من الدول العربية، ثم إن التهديد في حالة »داعش« ليس قطريا، ولا يمس الأمن القومي بشكل جزئي، فهذا التنظيم الذي اكتسح خلال فترة قياسية أراضي واسعة من سورياوالعراق، كسب دعم العديد من التنظيمات المتطرفة في المشرق وفي المغرب العربي، وتحول إلى التهديد الأمني الرئيس في المنطقة العربية وفي العالم أجمع، وهوما يسهل على ما يبدوعلى الدول الغربية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية ، مهمة التدخل العسكري المباشر في العديد من المناطق في العالم العربي تحت عنوان محاربة الإرهاب الدولي. اللافت أن العديد من الدول العربية التي أحست في الآونة الأخيرة بدنوالخطر الإرهابي منها، لا تثير قضية هامة وجوهرية تتعلق بالتدخل الأجنبي والمقصود بالدرجة الأولى التدخل الغربي، خاصة الأمريكي في المنطقة العربية، وقد تسعى إلى تبرير هذا التدخل باسم التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، وهنا مكمن الخلاف خاصة مع الجزائر التي ترافع من أجل تنسيق عربي وعمل عربي مشترك لمواجهة الخطر الإرهابي وتفادي التدخل الخارجي في المنطقة العربية، فالتدخل العسكري الغربي في المنطقة العربية قد يكون أخطر حتى من التهديد الذي يمثله تنظيم »داعش« على الأمن القومي لجل الأقطار العربية.