في العهدة البرلمانية ما قبل الأخيرة، زار الجزائر السيّد: »دوبري« رئيس المجلس الدستوري الفرنسي حاليا وقد كان إذ ذاك يتولى رئاسة الجمعية الوطنية الفرنسية، فجمعته لقاءات كثيرة مع أبرز المسئولين الجزائريين ولأهميته كشخصية نافذة في فرنسا، أعدّت له طائرة خاصّة لزيارة الجنوب الجزائري. وقبل أن يغادر الجزائر أملى عليه ذكاؤه وحاجته إلى المزيد من المعرفة عن الجزائر، وبخاصة أراد المعارضة،فاهتدى أن يلتقي برؤساء الكتل في المجلس الشعبي الوطني الذي يمثل بالفعل كل الحساسيات السياسية الوطنية التي لها وزن في المجتمع، كونها تحظى بمقاعد في الغرفة السفلى التي تعدّ تشكيلتها بمثابة فسيفساء سياسية لمختلف الآراء الوطنية التي لها بها منابر تبلّغ من خلالها صوتها إلى الرأي العام الوطني والدولي، بكلّ حريّة في جلسات علنية لا يعتريها إخماد لصوتها، ولا إدخال أصابع السلطة في عيني مقص الحذف والبتر. فكان له ما أرادت رغبته وما أملاه عليه طموحه وحبّ المزيد من الاطلاع، والتقينا معه كرؤساء المجموعات البرلمانية في قاعة الضيوف التي لا أجمل ولا اروع ، وكانت قد جهّزت وهيّئت بطريقة حداثية متطوّرة وبكيفية تليق بالمقام، جلسنا نحن الجزائريون حيث أن باب القاعة كان خلفنا وجلس السيد دوبري والوفد المرافق له في مواجهتنا حيث أن باب القاعة الضخم كان قبالتهم، وكان ذلك حول طاولة تفصل بيننا أضفى عليها من وسائل الزينة والراحة ما يجعل فعالية الاجتماع تدار في جوّ يبعث على الارتياح والراحة. وحيث أنه من العرف المعمول به في مثل هذه الجلسات يكون أول المتحدّثين رئيس أكبر مجموعة برلمانية، وبما أنّي كنت كذلك رحّبت بالضيف الكبير بما يستحق شأن مقامه مبرزا كرم الجزائريين وحفاوة استقبالهم وحسن استضافتهم في مثل هذه الحالات وفي غيرها. ثم بدأت كلامي الرسمي باسم حزبي ونيابة عن مجموعتي البرلمانية مبديا موافقتي على ما قاله رئيس المجلس الشعبي الوطني السيّد عبد العزيز زياري في اللقاء الذي جمعهما من قبل، بصفته أحد أعضاء مجموعتي البرلمانية وضمّ صوتي إلى صوته. ثم أردفت بالقول لا أكلّمك عن اقتصاد الجزائر ولا عن سياستها كونكم التقيتم مع نخبة من كبار مسئوليتها، وأنا أؤيّد كلّ ما قالوا انطلاقا من موقعي كممثل للحزب الحاكم، لكنّي أعود بكم إلى ذاكرة التاريخ التي لا تُنسى، إلى الزمن الذي كان فيه والدكم ،مخاطبا الضيف، يشغل رئيس حكومة الجمهورية الخامسة الديغولية والذي عارض بشدّة الرئيس ديغول لما رضخ إلى الأمر الواقع، وأجبر على التفاوض مع حزبي ممثلا للثورة التحريرية وناطقا باسمها، ولم يجد بدا بعد ذلك من الاستسلام إلى وقف القتال، وإجراء استفتاء شعبي أثمرت نتائجه بنيل الجزائر استقلالها بكلّ فخر واعتزاز، فما عساكم أن تعوّضونا على ذلك التنكّر لما أحدثتم من محارق ومجازر ومذابح لشعبنا في أرضه التي اتبعتم فيها سياسة الأرض المحروقة!!. ثمّ تطرّقتُ إلى وضع الاتحاد الأوربي، وما مقدوره أن يقدّم لنا والسماء تحتلّها أمريكا بتطوّرها التكنولوجي، والأرض تزحف على أديمها الصين الشعبية بمنتوجها الذي بالرغم من رداءته ملأ أسواق باريس وأرصفتها مثل ما يملأ أسواقنا وأرصفتنا. فما أن انتهيت من مداخلتي حتّى تناول السيّد دوبري الكلمة بكلّ هدوء ورزانة ولم يعلّق أو يرد على أسئلتي إنّما قال :»أنا لي التزامات أخرى، اسمحوا لي بالانسحاب، ويبقى معكم اعضاء الوفد«، فقلت ولا أدري بأيّة شجاعة قلت وبردّ سريع نيابة عن زملائي رؤساء الكتل: نسمح لأعضاء وفدك أن يغادروا معك. العجب كلّ العجب أنّ كلّ الزملاء دون تردّد وافقوا على المقترح وتلك لعمري شيمة الجزائريين في مثل هذه المواقف الوطنية، وتلك هي بسالتهم وثوريتهم فانفضّ المجلس في بدايته ودون أن يبلغ مدى نهايته. تذّكرت هذا لمّا غزا الصين هذه الأيام ليس أسواق فرنسا وأرصفتها بوفرة المنتوجات وعقلانية أسعارها مقارنة مع منتوجات أوربا وغيرها من دول الغرب. إنّما غزا حتّى مؤسسات وشركات ذات بال، فامتلك اسهما مثالية بها. بعد العذر إن خانتني الذاكرة أو غلبني الغرور فهل من رأي في إشادة رئيس الحكومة الفرنسي أخيرا بالمشاركة الصينية في مطار تولوز وفي النشاطات ذات الطابع السياحي )كلوب ميد(، لكبير القوم السيّد »جون لوي دوبري«..!؟