ما إن دخلت مكتبه في كلية الحقوق حتى دفع إلي بقصاصة صحفية تتحدث عن ما يجري تحت قبة المجلس الشعبي الوطني من مد وجزر، بل إخلالات بين أحزاب السلطة وأحزاب المعارضة. وما إن أعطاني مهلة قدرها بأن تكون كافية لقراءة الخبر حتى اقترح علي أن أكتب شيئا عن البرلمان من الداخل وما تحتوي أحشاؤه من تنابز وتنافر بين أعضاء هذا الجسد الواحد وما الحلول الشافية الكافية ؟. قلت: مر كليم الله موسى عليه السلام على راعي غنم في حيرة من أمره كونه سبعون عاما وهو يدعو الله فلم يستجب له، فسأل نبي الله ربه عن سبب عدم الاستجابة لهذا الراعي فأجاب سبحانه وتعالى: لقد كان لسانه معي وقلبه مع غنمه. أيها الأستاذ الدكتور هذا ما أراه ينطبق على الحالة الحالية للمجلس الذي فيه من ليس له دقيق في بيته، وهل من الحكمة أن نسأل من ليس له في بيته دقيق عن الدقيق. إن الاحتضار الذي يحاصر باستمرار أحزابا كثيرة فيقلص في كل فترة انتخابية محلية كانت أو وطنية حظوظها، تعلق خيبة أملها وانكسار حالها على مشجب الدعاية المغرضة فتتهم العملية الشعبية الصرفة كآلية وحيدة لتوزيع المقاعد البرلمانية بعدالة الشعب الذي لا يخطأ في عملياته الحسابية وهو يعطي لكل ذي حق حقه بتقسيم نسبي منصف تتهمها بالتزوير تضليلا وبهتانا. ولما يصعب عليها مقارعة الحجة بالحجة والكتلة بالكتلة تركب الحصان عاريا فيتحامل لسانها على طرق تسيير المجلس وقلبها يتشبث ويرتبط بالدفاع عن المكاسب والمنافع التي تنالها من خلال عضوية ممثليها في المجلس. لقد اتهم الكثير منهم رئيس المجلس بغير الديمقراطي وغير القابل للحوار، أوأنه متحيز لجهة دون أخرى من تركيبة المؤسسة التي أفرزتها إنتخابات عامة ومباشرة المسؤول الوحيد عليها هو الشعب دون سواه كونه صاحب الكلمة الفصل في ما يتعلق بهذه السلطة المنتخب جميع أعضائها من قبله، والتي تحوز الشرعية من لدنه. عجيب أمرهم يطعنون في مصداقية الانتخابات كل مرة فتتكسر نصالهم على صخرة الشعب الفولاذية، يطعنون في شرعية العضوية في المجلس فيجدون أنفسهم قد فعلوا بأنفسهم ما يفعله العدو بعدوه. وكلما باؤوا بالفشل إلا ووجهوا سهامهم لعملية تسيير المجلس التي لا تتم إلا وفق نصوص قانونية عامة ومجردة ليس لمن هو مسؤول عن نفاذها حق الاجتهاد فيها وحتى إذا ما حاول فإنه لا قدرة له على ذلك إطلاقا. وأما أن يطلب منه أن ينصاع إلى الآراء الفردية، أو إلى مقولات الأقلية ويتجاهل رأي الأغلبية أو يهمشه أو يؤجله فذاك هو الخرق للقوانين بعينه. ومن ثم المساس بالقواعد الديمقراطية التي تؤسس لأبجديات مبادئها وقيمها وأخلاقياتها وأدبياتها وقوانينها وتكرسها في الواقع الحي فذاك هو العيب الذي يلصق بالمسؤول عن تطبيق النصوص التي هي القاسم المشترك بين الأغلبية والأقلية، فيصير مسؤولا معيبا وليس العكس. فالأقلية لها أن تقول رأيها أو تعتد به، لكن ليس من حقها فرضه على الأغلبية التي بقى صوتها فوق صوت غيرها بما في ذلك المشرف المباشر على إدارة وتسيير شؤون مؤسسة فسيفسائية مثل المجلس الشعبي الوطني الذي يعتبر المثل الأعلى للتمثيل الشعبي بأكثريته وبأقليته. أما أن تتداول الآراء في المؤسسة بالطريقة نفسها التي تدار على أرصفة الشوارع، فإنه أمر لا يغني ولا يكسب، وإذا كان من المتعارف عليه، أن من غربل الناس نخلوه، ومن لا يرى حدبته التي تعلو ظهره لا يجوز له ان يهمز او يلمز أو ينبز في حدبة الآخرين، يا أولي الألباب اتعظوا...؟ !