تسمعهم في كل الأماكن..في الساحات وعلى قارعة الطريق..يرفعون أصواتهم فوق أي صوت مغاير، ويحلفون أن فلانا كذا وأنه كذا وكذا. يتحدثون بصوت مرتفع ويطلقون أحكاما على ظواهر معينة أو أشخاص معينين بحدة وثقة مطلقة ويصبغون حكمهم بالقسم الغليظ لتأكيد أحكامهم. في غالب المرات لا تجد ما تقوله لأن رجلا كهذا لا يعطيك الفرصة لتثبت له أنه مخطئ وأن معلوماته غير دقيقة وأن حكمه قاس. إن معظم هذه الأحكام حاقدة حقا، فهي تنمّ كلها عن سوء النية وخبث النفس الحاقدة التي تقذف سمعة الناس وتلوّث أسماءهم، وهي تصريحات وأحكام تصم الآخرين في الغالب بما ليس فيهم أو تزايد على أخطائهم البشرية.. إذا عمّقت نظرك في هذا القيل والقال والقصف المتعمّد لأخلاق الناس وتصرفاتهم تخرج بنتيجة واحدة هي "الحسد"..هو التفسير الواحد لغيرة مرضية تكفي لينطق الإنسان فيرمي غيره بكذا وكذا من سوء الأعمال والتصرفات.. هو التفسير الوحيد الذي يجعل مثل هذا الشخص يكره الآخرين لنجاحهم ويعادي المتفوقين في كل مناحي الحياة ولا يجد إلاّ "النباح" على المتفوقين في حياتهم العملية أو الهانئين في حياتهم الأسرية والاجتماعية.. هي آفة رجاء زوال النعمة عن الآخرين مع كل الكراهية الممكنة وبكل الحقد الدفين وبكل الرغبات السوداوية. أصبحت الظاهرة مرضا ملأ حياتنا السياسية والرياضية والعلمية والثقافية.. عزّ الممتنّون والمهللون وكثُر الحاقدون والفاشلون في ظاهرة تكاد تصبح عادية في كل المستويات.! يقينا، هناك تدهور شبه تام في سلم القيم الاجتماعية في هذا البلد خاصة في السنوات الأخيرة، وقد زادت حدة السلوك المشين والآفات النفسية المعيبة في مختلف الأوساط والجماعات دون تمييز حتى المثقفة والمتعلمة منها.. زادت ساحة الفساد نعم.. غير ان ذلك يعني حتما الكثير من الحقد والحسد والقليل من المحبة والرحمة. أما بعد: "كلماتنا في الحب تقتل حبنا" إن الحروف تموت حين تقال ما زلت في فن المحبة طفلة بيني وبينك أبحر وجبال الحب ليس رواية شرقية بختامها يتزوج الأبطال بل هو الإبحار دون سفينة وشعورنا أن الوصول محال« نزار قباني