قطر تدعو إلى حوار بين إيران ودول الخليج. وقد جاءت الدعوة، التي رحبت بها إيران، في غمرة المخاض الذي تشهده الأزمة السورية، كما تبدو جزء من آثار الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية. السؤال المرير الذي يطرح اليوم هو بعد ماذا ؟ لقد تأخر الخليجيون كثيرا في إدراك الحقائق الإقليمية المحيطة بهم، واختاروا أسوأ الخيارات عندما تورطوا في مشروع احتواء إيران الذي نفذ على أرض العرب، وبأموالهم، وأدى إلى انهيار سوريا وخرابها، فضلا عما يجري في اليمن وليبيا. اليوم تقول قطر، باسم حكومات الخليج، إن الخلاف مع إيران سياسي وليس مذهبيا، وهذا القول تنقضه السياسات التي جرى اعتمادها خلال السنوات الخمس الأخيرة على الأقل، بل ويكذبه الخطاب الإعلامي الذي يأتي من الخليج، ولا يمكن لتصريح أو خطاب أن يمحو هذه الحرب المذهبية التي تغلغلت في كل مفاصل الحياة اليومية لشعوب المنطقة، وتحولت إلى هاجس جماعي. روسيا تتدخل في سوريا، ويقال أيضا أنها تسعى للحيلولة دون هزيمة الحوثيين في اليمن، لكن لا أحد بإمكانه أن يدعي بأن روسيا شيعية، أو علوية. لقد أثبتت التطورات الحاصلة على الساحة السورية أن الأمر يتعلق بصراع دولي كبير يجري تنفيذه بأدوات إقليمية، ولو انتبه العرب إلى هذه المسألة منذ البداية لما سمحوا بإشعال هذا الحريق الكبير الذي يهدد الجميع دون استثناء. كيف يمكن للخليجيين أن يجعلوا موقفهم من إيران رهنا بالإرادة الأمريكية؟ يقال إن الجغرافيا هي الثابت الوحيد في السياسة، وإيران جار للعرب، وللخليجيين خاصة، والعلاقة معها يجب أن تقوم على هذه الحقيقة التي لن تتغير اليوم أو غدا، بل المطلوب أن يسعى الخليجيون إلى لعب دور إيجابي لخفض التوتر في المنطقة، لأن الحرب لا تؤثر على الدول البعيدة مثل أمريكا أو حتى روسيا والصين بقدر تأثيرها على قطر والسعودية والإمارات. ستنتهي الحرب في سوريا كما تريد القوى الكبرى في العالم، وستبقى إيران تدافع عن مصالحها وتسعى إلى تحقيق مزيد من المكاسب، وويل لمن ألحق نفسه بمصالح الآخرين.