كلما اشتدت الأزمة ووقف البلد أمام تحديات وراهانات جديدة يعود الحديث حول دور النخب وأثرها في الدولة والمجتمع، من باب صدق الرهان أو الاضطرار .. لا فرق. في كثير من المناسبات كان المناضل والمؤرخ محمد حربي يعود إلى مسألة الأنتجانسيا والسلطة في الجزائر عندما أفضى علاقة المثقف بالسلطة وعلاقة السلطة بالمثقف في هذا البلد إلى التاريخ من منطلق أن بنية هذه الأنتلجانسيا وبحثها عن دورها الطبيعي وهو الدور النقدي، فاصطدمت بطبيعة ثورة التحرير وأجهزتها وصراع الزعامات وضغط ومناورات فرنسا الاستعمارية، ولم تكن طبيعة العلاقة لتحدّد آنذاك ولا عقب الاستقلال وبعد مرحلة بومدين أو حتى بعد 1988. الحقيقة أن حربي لم يقدم إجابات تشبع جوع االقارئ بشأن هذا الجفاء بين السلطة والأنتلجانسيا، وبالطبع لم يكن التاريخ وحده الكفيل بفهم هذه العلاقة، لأن "عسكرة" النظام السياسي بعد أزمة صائفة 1962 ليست المتغير الوحيد في المعادلة، بل إن ما أقدم علية عبان رمضان ووثيقة الصومام كان بمثابة «تمدين» الثورة وإخضاعها للقانون الدولي و فسح المجال للسياسي أي بشكل آخر للآنتلجانسيا لتلعب دورها الذي تعدّ له غدا إثر الاستقلال. ما لم يشر له حربي إلاّ عرضا في كتاباته هو هذا النوع من النخب التي برزت بعد الاستقلال والتي كان لها دور نضالي أثناء الثورة وحتى في الحركة الوطنية بمختلف اتجاهاتها. هذه النخب خانت دورها النقدي وسلطتها الموازية وتحولّت وتلونت بتحول وتلون قرارات السلطة، وبررت ما كانت تفعل وأيّدت وباعت دون أن تساوم ربما.. لا شيء غير الزحف في سبيل مناصب وامتيازات مادية ومعنوية، فاختارت الصمت بل التواطؤ والمشاركة في كل ما فعلت السلطة في مختلف المراحل، ومالت إلى ما هو خاص بدل ما هو عام، أي اختارت العُصب الحاكمة بدل المجتمع والناس. أي نخبة إذا انعدم الضمير وسلطة النقد المعرفي والجهر بالحق مهما كان شكل السلطة وقمعها، لأن الدور الحقيقي للمثقف كما يقول المفكر إدوارد سعيد هو نقد السلطة، وأي سلطة لا تريد نهايتها التاريخية هي حتما التي تحتاج إلى المثقف ودوره النقدي وتنصرف عن محاولات تدجينه وشراء ذمته.. أما بعد: "منا من يعش صدفة ليموت صدفة"