راسلني أحد القراء عبر البريد الإلكتروني، معقبا على مقالي " العبقرية المصرية في صناعة الكراهية " قائلا بأنني لم أوضح بدقة أساليب الإعلام المصري في صناعة هذه الكراهية، كما أنني لم أقدم ردودا كافية عن الإدعاءات المصرية خاصة ما تعلق منها بالتاريخ. لذلك رأيت أن أوضح تلك الأساليب التي استخدمتها الفضائيات المصرية في سعيها للنيل من الجزائر شعبا وتاريخا ورموزا ودولة، رغم أنني ضمنتها في مقالات سابقة. بداية يجب أن نميز بين الأساليب المصرية قبل مباراة 14 نوفمبر في القاهرة وما بعدها. وكل مرحلة لها أساليب محددة . قبل مباراة القاهرة يوم 14 نوفمبر 2009 ، كانت الفضائيات المصرية تعمل على شحن الشارع المصري وتعبئته، لتحويل المباراة إلى " حدث وطني مصري كبير ". فلجأت إلى توظيف الأساليب التالية : 1 – إرهاب الفريق الجزائري وأنصاره من خلال عبارات التهديد بأن مصر ليس الجزائر، وأن الشرطة المصرية لن تتسامح مع الجزائريين الذين تعودوا ممارسة العنف. مشددة على أن 80 ألف مشجع مصري في ستاد القاهرة ستكون الورقة القاهرة للاعبين الجزائريين يوم المباراة. وحتى تزيد قوة العمل " الإرهابي " الذي تقوم به الفضائيات، تم التركيز على " أن حصة الأنصار الجزائريين لن تتعدى بأي حال 5 ألاف تذكرة " ، وعليهم أن يكون منضبطين وإلا تم طردهم من مدرجات الملعب. 2 – العمل على دفع المشجعين الجزائريين للقيام بسلوكات غير رياضية في ستاد القاهرة، حتى يعطى المبرر للفيفا لكي تعاقب الفريق الجزائري لكي يتأهل الفريق المصري، لذلك راحت الفضائيات تخدش في مشاعر الجزائريين وتدعى أن الجزائر لا تملك حضارة، وأن مصر هلي التي حررتها من الإستعمار، وأنها هي التي علمتهم الإسلام، وغيرها .. 3 – إعطاء الكلمة للمصريين المتطرفين، أو الذين تم توظيفهم في " الحرب القذرة ضد الجزائر " من فنانين ورياضيين وإعلاميين ومحللين .. ودفعهم حتى إلى رفض مبادرة بسيطة أطلق عليها حينها " وردة لكل لاعب جزائري " ورفضت فعلا .. وكان هدف هؤلاء المتطرفين العمل على زيادة شحن الجمهور المصري ضد الجزائريين، باعتبار أن المقابلة هي " حدث وطني مصري " كما أوضحت. 4 – ممارسة الكذب، مباشرة بعد الإعتداء على الفريق الجزائر يوم 12 نوفمبر 2009 من قبل أزيد من 100 شاب مصري هاجم حافلتهم بالحجارة، خلف في صفوفهم عدة جرحى ، أي تم استقبال الفريق الجزائري بالحجارة بدل الورد. وقد حدث إجماع مصري عبر وسائل الإعلام بأن اللاعبين الجزائريين ضربوا أنفسهم، وكسروا كراسي الحافلة، وأن التحقيقات بينت أن الزجاج تكسر من الداخل وليس من الخارج. 5 – الإصرار على الكذب، رغم أن كاميرات الإعلام الدولي منها كاميرا كنال بليس صورت الحجارة قادمة من الشارع. القراءة السلبية للأرشيف والتاريخ الرياضي وبعد أن انكشفت الأكاذيب المصرية، عقب امتلاك البعثة الجزائرية والمراقبين الدوليين للأدلة، لجأ الإعلام المصري لتقنيات أخرى منها : 1 – اللجوء إلى الأرشيف الرياضي بين الجزائر ومصر، واستخراج " صورة حافلة " للمنتخب المصري في مدينة عنابة عام 2001 ، للقول أن الفريق المصري تعرض لاعتداء مماثل في عنابة من طرف الأنصار الجزائريين. وتم توظيف الصورة بطريقة دعائية عاطفية للتأثير على الشارع المصري وشحنه أكثر ضد الجزائريين. لأن الصورة " عمياء " خاصة عندما يتم عرضها بمعزل عن سياقها الحقيقي. ف " الإعتداء الجزائري " إن تم ، فقد تم بعد المباراة وليس بعدها، مثلما حدث للفريق الجزائري من " إرهاب " في القاهرة يوم 12 نوفمبر. ولم تقل لنا " الصور المصرية " ولا " المعلقون المصريون " أي سلوك سلكه اللاعبون المصريون حتى أثاروا المتفرجين في ملعب عنابة الذين ألقوا عليهم " قارورات بلاستيكية فارغة " ؟ 2 – تم اللجوء إلى استجواب بعض اللاعبين الذين شاركوا في لقاء عنابة، لكي يصفوا ما اسمته الفضائيات المصرية " البربرية والإرهاب " الجزائري في حق مصر. 3 – تم استجواب بعض اللاعبين المصريين القدامى، المعروفين بكرههم للجزائر مثل حسام حسن، الذي سبق له أن " شتم الجزائريين باللسان والإشارات " في ملعب بجاية عام 2008، وقد عاقبته الإتحادية المصرية رفقة أخيه على سلوكهما غير الرياضي. 4 – القيام بحملة مركزة، من خلال التكرار المستمر، لبعض الصور والشهادات القديمة التي يصعب التأكد من صحتها. مثلما قال أحد اللاعبين القدامى أن في عام 1978 تم نقل الفريق المصري من حي " ساحة الشهداء " في الجزائر، إلى ملعب خمس جويلية ببن عكنون، خلال خمس ساعات كاملة. بينما تكفي 15 دقيقة للوصول إلى الملعب. وهذه المدة أي 5 ساعات لا يستغرقها أحد بين ساحة الشهداء وبن عكنون حتى في عام 2009 حيث " نمت السيارات مثل الفطريات " في أوساط الشعب الجزائري، مسببة في الزحمة والإكتظاظ ، بيد أن في عام 1978 كانت السيارات في العاصمة تعد على الأصابع. 5 – الإستعانة بالأغاني والأناشيد الوطنية المصرية القديمة التي كانت تغنى خلال حرب 1967 و 1973 ، للهب مشاعر المصريين، وغرس في نفوسهم الحماسة للإطاحة بالجزائريين. 6 – اللجوء إلى أحداث " عنف قديمة " ، للتدليل على أن الجزائريين " أهل عنف " ليس مع مصر فقط، ولكن بالفطرة. حيث استخرجت الفضائيات المصرية مباراة بين الجزائر وفرنسا في ملعب بارك دو برانس ( حديقة الأمراء ) في باريس عام 2002 ، حيث اجتاح الأنصار ميدان الملعب. وأولائك الأنصار معظمهم يملكون جنسية مزدوجة : جزائرية فرنسية. وكان الإجتياح للتعبير عن مشاكل يعيشها الفرنسيون من أبناء المهاجرين خاصة الجيل الثاني والثالث. لكن المصريين قرءوها على غير حقيقتها ووظفوها توظيفا سلبيا على هواهم .. المهم تشويه صورة الجزائر والجزائريين. * بعد الخرطوم .. آل مبارك أمال بعد مباراة الخرطوم، فقد عمد الإعلام المصري الفضائي على وجه الخصوص على ما يلي: 1 – اتهام الجزائريين بالإرهاب ، والوحشية والبربرية والهمجية والعنف .. ليس من قبل المنشطين الإعلاميين فقط، بل من طرف " المتطرفين " من الفنانين واللاعبين الصحفيين أيضا. 2 – إعطاء الكلمة لأبناء الرئيس حسني مبارك، لتحريض الشارع المصري ضد الجزائريين، خاصة علاء مبارك الذي حولته الفضائيات المصرية إلى " نجم إعلامي " في التطرف والعداوة والكراهية للجزائريين. 3 – مواصلة توظيف الصور القديمة لتشويه صورة الجزائريين ، والعمل على بناء صورة ذهنية نمطية لدى الشعب المصري، بأن الجزائريين أهل عنف وتطرف. عودة إلى التاريخ أما ما تعلق بالتاريخ، الذي قال لي القارئ الكريم أنني لم أقدم بخصوصه ردودا كافية على الإدعاءات المصرية، فإنني أتفهم أن القراء الجزائريين من جيل الإستقلال يرغبون في المزيد، حتى لا يتطاول عليهم أبناء مصر مستقبلا، ويدعون بأنهم حرروا أبائهم وأجدادهم وعلموها العربية والإسلام. أنا لا أكرر الأشياء التي كتبتها أنا أو تلك التي باتت معروفة للعام والخاص، الجزائري والعربي والأوروبي وغيرهم مثل " الصك على بياض " الذي قدمه الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين للإتحاد السوفياتي سابقا( روسيا حاليا). يقول التاريخ : 1 – لم يستشهد مصري واحد في الجزائر خلال الثورة التحريرية المباركة. بينما استشهد في الجزائر المغاربة والتونسيين والليبيين والعراقيين والسوريين والسودانيين، وحتى الفرنسيين الذين كانوا ضد الإستعمار وأيدوا الثورة. 2 – دفاعا عن مصر، استشهد من الجزائريين في حرب 1967 و 1973 بين 2500 و 3000 شهيد رحمهم الله تعالى أجمعين وأسكنهم الفردوس الأعلى. 3 – الدعم الإعلامي المصري كان ضمن " صوت العرب " التي تبث من القاهرة، الذي قال عنها الرائد لخضر بورقعة " أنها لم تتعد ر بع ساعة في اليوم ، ثم تم نقلها إلى المغرب وتونس. وبيان أول نوفمبر صيغ في الجزائر وليس في القاهرة لكن تم بثه من إذاعة صوت العرب عندما كانت تبث من القاهرة. 4 - حسب سفير الجزائر في القاهرة السيد عبد القادر حجار في حوار خص به بعض الفضائيات المصرية، فإن الجزائر أرسلت 50 طائرة بطيارها لمصر في حرب 73، وهي التي أوكلت لها مهمة حماية القاهرة. بينما انتشر الجيش الجزائري على محور القاهرة – الإسماعيلية. 5 – حسب مذكرات الجنرال خالد نزار، فإن الجزائريين، لقنوا الجيش المصري بعض تقنيات القتال في الحرب ضد إسرائيل مثل " تقنية الخنادق " المعروفة باسم " الزجاجة " أي يبدأ الخندق ضيقا ثم يتسع بالداخل، وهكذا .. 6 – كثير من المجاهدين الجزائريين وقيادة الثورة التحريرية يؤكدون أن السلاح الذي كان يمر للثورة الجزائرية عبر القاهرة كان مقابل ما " يشبه الإبتزاز والضرائب " ( أنظر مقابلة مع الرائد لخضر بورقعة في جريدة الراية ( أسبوعية جزائرية العدد 5 من 3 – 9 سبتمبر 2009 ). لم نكن نرغب في كتابة ما كتبنا .. لكن حكومة " كامب ديفيد " الموالية لإسرائيل في القاهرة أوصلتنا إلى هذا.