عاش أهل غزة تفاصيل أيام وليالي وساعات رمضان العام الماضي 2024، بمرارة الفقد، ونار الحرب التي طال أمدها، واتسعت رقعتها لتجعل من غزة ركاما وحطاما بصواريخ الاحتلال الظالم ودباباته التي حصدت كل جميل. لم يكن من السهل إيجاد كأس ماء للشرب، ولا حتى شقّ حبة تمر لكسر الصيام. وهناك من لم يكسر صيامه إلا بعد ثلاثة أيام وسط الخوف والفزع! تفاصيل ترويها السيدة تسنيم الرنتيسي في تصريح ل"المساء" في الجزء الثاني من رمضان غزة؛ قالت: "رمضان غزة الماضي لا يشبه أي عام؛ سواء من حيث العبادات، أو تجمُّع الأسر... لا نوم، ولا طعام، ولا صلاة تراويح!". قالت السيدة تسنيم: "كنا نستيقظ فجرا مفزوعين خائفين"، مستطردة: "هذا إن نمنا أصلا". وأردفت: "كان رمضان الماضي حزينا، متشحا بالموت، والسواد، والدم. لم يكن هناك سحور، كنا نعتمد على التمر والماء فقط إن وُجد، أو على القليل مما توفر. لم تكن هناك مائدة نجتمع حولها. كان الخبز مفقودا، مرت أشهر لم نستطع فيها الحصول على قطعة خبز. كنا نعيش في مجاعة؛ حرمنا الاحتلال من أصناف الطعام، والخضر، والفواكه، واللحوم؛ عامٌ ونصف عام ونحن محرمون من هذه الأصناف!". ظروف العيش، وقتذاك، كانت قاسية جدا، تقول عنها السيدة تسنيم: "عشنا على المعلّبات خلال فترة الحرب، لا سيما في الشمال. مرت علينا فترات تناولنا فيها الشعير من علف الحيوانات؛ لإطعام أبنائنا، وإسكات جوعهم. وحتى الأطعمة إن توفرت فإن ثمنها باهض جدا، لا يمكن اقتناؤها. على السحور والفطور حُرمنا من شرب الماء النظيف! كنا نتقاسم الماء بالفنجان. كنا نقول لأبنائنا: "ممنوع تشرب أكثر من فنجان؛ حتى يبقى للغير!". كنا نأكل الفول، والحمص، والزعتر دون خبز... مائدة الإفطار لم تكن مثل موائد العرب في رمضان؛ فقد كانت تقتصر على صنف أو صنفين إن توفر، وحتى ما كان يوضَع هو مساعدات ما قبل رمضان". وأكدت السيدة تسنيم أن أهل غزة لم يصوموا رمضان فحسب، بل صاموا طيلة الحرب لمدة عام ونصف عام وهم شبه صيام. لم تكن هناك موائد رمضان؛ بسبب القصف في كل مكان؛ فلا أمان، ولا طعام، وأصبح الفرد لا يجد حتى قوت يومه". وزادت: "للأسف، خلال الحرب تفرقت العائلات الفلسطينية بعد أن فصل الاحتلال الشمال عن جنوبه، وأصبح الإخوة متفرقين؛ الزوج والزوجة كل في جهة؛ فلا طعام، ولا وجود للأحبة، كان العام خاليا من الحلويات والمسليات؛ فقد كان تناول الطعام في رمضان أشبه بالسرقة؛ إذ كنا نسرع في تناول الإفطار؛ حتى إذا بدأ القصف كنا نركض جميعا للاختباء في المكان الذي كنا نعتقد أنه آمن؛ لا وقت للراحة، ولا لزيارة الأرحام؛ فالأرحام متشتَّتون؛ قُصفت بيوتهم، واستشهد أبناؤهم". حُرمنا من صوت الأذان ...حُرمنا من نداء "الله أكبر"! لم يتمكن أهل غزة من الصلاة في المساجد، ولا من أداء صلاة التراويح سوى الصلاة في البيوت على عجلة. وبدل زيارة الأرحام كان يتم التواصل عبر الرسائل؛ للاطمئنان إن حدث قصف في الجوار. وقالت تسنيم: "للأسف، لم نسمع طوال رمضان الماضي، صوت الأذان! كنا نتتبع الساعة لمعرفة إذا دخل وقت الإفطار أم لا. حُرمنا من سماع نداء "الله أكبر"! كنا نسترق الوقت لنصلي التراويح، وكانت أصوات الصواريخ تفزعنا وتقطع صلاتنا... كانت الحرب دينية بالدرجة الأولى؛ إذ تم تدمير كل مساجد القطاع، وإنزالها على الأرض؛ رمضان الحرب هو أصعب ما يعيشه الإنسان على وجه الأرض!". ...يتبع