بمجرد أن أظهرت مجموعة النقابات المستقلة الأصلية إرادتها في تأسيس »كنفدرالية وطنية للعمال الجزائريين«، بهدف استجماع كل عوامل القوة النقابية والعمالية، والسعي لكسر الاحتكار النقابي في الجزائر، حتى ظهرت بالمقابل مجموعة أخرى من القيادات الموازية لأجنحة ونقابات منفصلة، عن هذه النقابات الأصلية عبر »مؤتمرات تصحيحية«، قيل أنها ستجتمع نهار اليوم في العاصمة، من أجل تأسيس »اتحادية وطنية للنقابات المستقلة«، ولم يعلن حتى الآن عن الهدف الحقيقي من خلق هذا التكتل الموازي. تعيش الساحة النقابية هذه الأيام صراعا كبيرا مع السلطات العمومية من أجل تحقيق مطالب اجتماعية مهنية ونقابية، وصراعا آخر فيما بينها، وحتى وإن هدأت الأوضاع بعض الشيء مع السلطات العمومية بشأن أرضية المطالب، إلا أنها مازالت متواصلة مع بعض «القيادات النقابية الجديدة»، المنبثقة عن «مؤتمرات إصلاحية» بديلة، ويبدو أن اجتماع اليوم، الذي تعتزم عقده بعض هذه القيادات الجديدة المتهمة بالولاء والطاعة العمياء للسلطات العمومية، على حساب المطالب والنضالات العمالية القانونية لا يخرج عن هذا الإطار، وقد لا تشارك فيه سوى ثلاث أو أربع قيادات جديدة، مشهود لبعضها بمحاولات تكسير إضرابات العمال، والنقابات المستقلة، التي لها تمثيل حقيقي، عن طريق البيانات والتصريحات التضليلية، ولهذه الكيانات النقابية التي نعنيها مواقف من هذا القبيل، تعرفها هي نفسها قبل غيرها. وحتى وإن اعتقدت بعض الدوائر في السلطة أن توظيف هذه النقابات في ظل الظروف الراهنة ستفيدها، وتمكنها من ضمان الهدوء والاستقرار للقطاعات المستهدفة، فهي وفق ما يراه المتتبعون، العارفون بالشأن النقابي العمالي الجزائري مخطئة في توقعاتها، لأن هذه الكيانات الموازية ثبت بالملموس، وأمام جميع عمال القطاعات التي تدّعي تمثيلها، أن لا تمثيل لها إطلاقا على أرض الواقع، ومن ثم فاستخدامها، مثلما قال آخر تقرير ل « الهيئة الدولية لدعم النقابات المستقلة في الجزائر» لن يفيدها في شيء، لأن الجميع أصبح يعرف أن أغلبيتها الساحقة هي نقابات مستنسخة عن نقاباتها الأصلية، تنشط أفقيا ،وبشكل موازي، ومردودها سيء. ضمن هذا التصنيف، ترى أوساط نقابية من نقابات«كناباست» و«إينباف» أن استحداث هذا الفضاء النقابي، الذي يُراد أن يطلق عليه من الآن اسم «الاتحادية الوطنية للنقابات المستقلة» هو في الأصل بمثابة الجدار الوهمي الذي يُراد من ورائه من جهة، محاولة قطع الطريق على «الكنفدرالية الوطنية للعمال الجزائريين» التي فكّرت فيها نقابات أصلية، وباشرت العمل من أجل استجماع كامل ظروف تأسيسها، ومن جهة أخرى تكسير وبعثرة كل جهد نقابي قانوني هادف ومخلص للمطالب العمالية المهنية الاجتماعية والنقابية المشروعة، لدرجة أن كثيرا من النقابيين اعتبروا خطوة «الاتحادية» بمثابة «الحجرة في الصباط». ومثلما هو معلوم، فإن فكرة «الكنفدرالية» التي اعتمدتها مبدئيا كل نقابات الوظيف العمومي التمثيلية في قطاعات التربية الوطنية، الصحة العمومية، التعليم العالي، والإدارة، واتفقت منذ أكثر من ثلاث سنوات على العمل بشكل نقابي فردي وجماعي، من أجل بلوغ مرحلة تأسيس هذه الكنفدرالية الجزائرية، وقالتها بوضوح، أنها تريد تشكيل تكتل نقابي جديد، يدافع بصدق وإخلاص عن كافة المطالب العمالية المشروعة، ومن أولوية أولوياته كسر واقع الاحتكار النقابي الحاصل في الجزائر من قبل نقابة واحدة، وهي نقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين، التي بلغت في نظرها أعلى درجات التخلي عن المطالب العمالية المشروعة، وأصبحت جزء لا يتجزأ من كيانات السلطة الرسمية، وتستحوذ حتى نهار اليوم عن رصيد هام جدا من الصلاحيات، التي هي من اختصاص هذه النقابات المستقلة، وتضرب المثل على ما تقول بمفاوضات الثلاثية، التي أقصت كل النقابات المستقلة من المشاركة في أية مفاوضات ضمن هذا الإطار ، وأنابت عن جميع هذه النقابات المستقلة نقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين، رغم أن الكل يعرف أن هذا الأخير لا يمثل عمال الوظيف العمومي، وأن الإضرابات والحركات الاحتجاجية التي أوصلت إلى هذه المفاوضات والزيادات المقررة في الأجور على قلّتها، هي من صُنع وجُهد عمال الوظيف العمومي، والنقابات المستقلة، التي تسعى اليوم لخلق هذه الكنفدرالية الوطنية.