صار الجزائري يفتح عينيه ويشنّف سمعه يوميا على صور وحوادث عنف غريبة وغاية في التوحّش والإيلام.. حوادث وحكايا أبطالها مجرمون بالغون أو قُصّر ومن مختلف الفئات، أزواج وحتى الشيوخ.. لا فرق.. جرائم وحوادث قتل واغتصاب، لصوصية ونهب، اختطاف وتهريب، مخدرات وآفات.. قائمة طويلة وجرائم دخلت »الخدمة« حديثا ولم يكن المجتمع يعرفها ولا قبل له بها.. لقد تأكد الآن أن آثار العشرية الدموية التي عاشتها البلاد كانت سوداء بكل المعايير، وأن تداعياتها الأخطر مسّت نسيج المجتمع وفكّكت أواصره النفسية وشبكة علاقاته الاجتماعية وقيمه السلوكية والحضارية. بلغ العنف مبلغه في المجتمع حتى إنه يؤشر إلى خطورة تهدد الدولة في هيبتها وقوانينها وحضورها، وصرنا نسمع عن أنواع من العصيان والاعتداء حتى على أعوان الأمن والدخول في مناوشات ضدهم وحماية أرباب المخدرات والجريمة كما حدث في بعض الأحياء.. استشرى الفساد والجريمة في كثير من المدن والأحياء وبدا ألمر خارج السيطرة أحيانا برغم الإمكانات المتاحة لأجهزة الأمن وتطوير حضورها الجواري وأدائها المهني.. وليس من المبالغة في شيء الاعتراف بأن العنف الجسدي واللفظي والسلوكي صار سمة الفرد الجزائري مهما كان مستواه أو فئته العمرية أو المهنية، ومن اللافت حقا أن العنف أصبح ظاهرة يومية في معظم الأماكن والأوقات كما أن مؤسسات الدولة ومراكز البحث والجامعة لم تنتبه لخطورة الأمر وبقيت تتفرّج عليه بإفلاس كبير. لعلّ أسوأ ما في المسألة كلها هو هذي الاحتجاجات الجماعية التي تنتشر هنا وهناك لسبب أو لآخر، وربما أمكن تفهّم الضرر الذي يعانيه الشباب من حيث البطالة والسكن وهو ما بدا في حدود ما هو مشروع بتعبير بوتفليقة حتى وإن دعا إلى ترك العنف وسيلة للاحتجاج، غير أن ما يثير الهلع هو دون شك بروز العنف الجديد مؤخرا وأعني إحراق البلد لأتفه الأسباب..! تقطع الطرق وتحرق المراكز والمؤسسات و تخرب المنشئات العمومية لسبب أو لآخر، ولم يعد الشباب يكترثون للأسباب، وليس مجديا حالة الغلق الإعلامي والاجتماعي التي تجعل القضية وقد استفحلت كأنها مجرد أحداث عابرة. لقد برز إلى العلن عنف جديد يتخذ أسبابا بالية أو تافهة أو هكذا يبدو، لكنه في الحقيقة يعبّر عن أزمة اجتماعية نفسية وثقافية عميقة تهزّ المجتمع الجزائري برمّته وتفتح عليه أبواب المخاطر الجادة والشروخ المقلقة. آن أن نفتح النقاش الوطني حول العنف الذي تبرّج للعيان لأن الهروب إلى الأمام لن ينفع أبدا.