اعتبر الدكتور يوسف حنطابلي، أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن لجوء المتظاهرين إلى العنف والتخريب في الاحتجاجات الأخيرة التي عرفتها عدة مناطق من الوطن، مؤشر قوي على غياب الأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني في الميدان، وعلى الرغم من تأكيده أن ما يحصل أمر طبيعي نتيجة الكثير من التراكمات، فإن توقعاته تُشير إلى أن هذه الاحتجاجات »مجرد حمى عابرة سينتهي مفعولها بشكل سريع..«. قال الدكتور يوسف حنطابلي، في تصريح ل »صوت الأحرار«، إنه لا يمكن تفسير الغضب الشعبي الحاصل بسبب ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية من زاوية اقتصادية، حيث أشار إلى أن الأمر يتعلق بالبنية السيوسيولوجية للمجتمع الجزائري التي لم تصل، على حدّ وصفه، إلى درجة »المجتمع المدني« بمفهومه الواسع، ووفق التشخيص الذي قدّمه أيضا فإن اللجوء إلى العنف »دليل على أن الجزائريين عاشوا حالة من التهميش وضعتهم خارج الإطار..«. وعلى هذا الأساس فقد أعاب أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر ما أسماه »الغياب والعجز التام« للأحزاب والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، ولا يرى أدلّ من ذلك أكثر من عجز هذه الأطياف في التعامل مع انشغالات الشارع بفعالية وجعله ينخرط في الحياة السياسية والمدنية بما يمنح له منابر حرة للتعبير عن مواقفه واتجاهاتها، وعلى حدّ تعبير محدّثنا فإن »الاعتقاد السائد بوجود أحزاب سياسية وجمعيات فعّالة في الجزائر هو اعتقاد خاطئ وليس هناك ما يؤكد صحّته«. وعندما سألت »صوت الأحرار« عن الدوافع التي تقف وراء لجوء الشباب الغاضب إلى أسلوب العنف للتعبير عن انشغالاتهم، أوضح أن ذلك أمر طبيعي ومبرّراته أن الاعتقاد الذي كان سائدا بأن الوسائل الحديثة للتعبير عن وجهات نظر أو الاحتجاج على شاكلة الانترنت مثلا »لا أساس لها في الواقع«، وقد أعاب على هذا المستوى غياب المؤسسات والفضاءات التي من شأنها امتصاص حالة التململ الحاصلة، ولم يمنع هذا التشخيص السلبي الدكتور حنطابلي من التعبير عن أسفه لما حصل من تجاوزات. إلى ذلك اعتبر أستاذ علم الاجتماع أنه من الطبيعي أن تظهر بعض الجهات خلف المتظاهرين من أجل إطالة عمر عمليات التخريب وغضب الشارع، مشيرا إلى أنه في مثل هذه الحالات يكون من مصلحة بعض الجماعات سواء كانت سياسية أو جماعات مصالح تمديد فترة الاحتجاجات وتوسيع نطاقها، لكن هذا لا ينفي – حسبه- وجود بعض الاختلالات في البنية الاجتماعية، منتقدا بالمناسبة غياب التنشئة الاجتماعية والسياسية الكفيلة بتكوين مجتمع مدني يقبل الحوار بعيدا عن أساليب العنف. وبموجب ذلك لا يستبعد المتحدّث أن تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي بشكل تدريجي، حيث أورد أن هذا النوع من التوترات الفجائية غالبا ما يكون دون فعالية في نهاية المطاف، ورغم ذلك فقد دعا إلى ضرورة قراءة الأحداث حتى لا ينجر عنها مزيد من الانزلاقات، كما طالب بتبني مقاربات اقتصادية واجتماعية من شأنها إعطاء متنفس كفيل بمعاجلة كافة المشاكل الاجتماعية المطروحة.