بإصراره على تنظيم المسيرة غير المرخّص بها وسط العاصمة، يكشف حزب التجمع من أجل الديمقراطية، أكثر من أي وقت مضى، أنه أقرب إلى تهديد استقرار البلاد أكثر منه محاولة التنفيس عن الشارع والتسويق لمطالب سياسية واجتماعية بحسب ما يدّعي رئيسه، وتكون هذه الرسالة وصلت إلى السلطات العمومية التي سارعت إلى التحذير من عواقب الانسياق وراء هذه الخطوة التي اعتبرتها بمثابة استفزاز الغرض منه تحريض المواطنين على الإخلال بالنظام العام. قد يكون رئيس »الأرسيدي« نجح نسبيا في الحصول على دعاية دولية في الأيام الأخيرة على خلفية تمسّكه بمسيرة اليوم التي يُريد وصفها بأنها »شعبية«، وهذا ما يُشير إليه التعاطي الإعلامي الأجنبي الواسع مع تصريحاته لوكالة »رويترز«، إلى جانب ظهوره في منابر إعلامية فرنسية، لكنه في المقابل فإنه فشل في إقناع الرأي العام الوطني بجدوى الحماقة الجديدة التي هو بصدد الخوض فيها من جديد من خلال محاولة الاستثمار في جملة من العوامل والظروف الاجتماعية لتأليب الشارع. ومهما بلغت خطوة الخطوة التي يُقدم عليها اليوم حزب سعيد سعدي فإنها تُعتبر في نهاية المطاف بمثابة اختبار جديد على استغلال سياسوي مفضوح ومتاجرة بمآسي الجزائريين من أجل تصفية حسابات مشبوهة حتى وإن كان ذلك على حساب مصلحة البلاد، والواضح من خلال الحراك الدائر في الأيام القليلة الماضية أن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية يسعى بمسيرته إلى هدف وحيد يكمن في المواجهة والصدام مع مصالح الأمن ونشر الفوضى والخراب وسط العاصمة، وهذا يكفيه من أجل تحقيق ولو جزء بسيط من مآربه السياسية. وبالعودة إلى تفاصيل البيان الذي أصدرته مصالح ولاية العاصمة يتضح أن الأخيرة فهمت الرسالة وأدركت اللعبة التي يُريد »الأرسيدي« الخوض في تفاصيلها في هذه المرحلة بالذات، وهو أمر لا يخفى في الواقع عن أحد، ولذلك فإن النداء الذي تضمّنه البيان يحمل إشارات واضحة إلى وجود تحرّكات لدى هذا الحزب الذي يدّعي بأنه يتزعم »المعارضة الديمقراطية« في الجزائر، من أجل الاستثمار في مشاكل المواطنين لإعادة سيناريو 14 جوان 2011 ولكن هذه المرة تحت غطاء »تغيير النظام«. تحذيرات مصالح ولاية الجزائر جاءت منطقية إلى حدّ بعيد، وهي تحدّثت عموما عن ما أسمته خطورة »الانسياق وراء الاستفزاز«، وهو ما يعني أن ما يُقدم عليه حزب »الأرسيدي« اليوم سوف لن يخرج عن نطاق الدعوة إلى »الإخلال والمساس بالنظام العام«، وأكثر من ذلك فإن البيان اعترف بأن »الجمعية ذات الطابع السياسي« تسعى إلى تحريك الشارع في ظروف استثنائية تمرّ بها البلاد بسبب التداعيات الدولية. الرسالة التي تكون قد وصلت سريعا إلى المواطنين لا تقتصر فقط في أن المسيرات ممنوعة في العاصمة على خلفية سريان تدابير حالة الطوارئ، ولكن أيضا على أساس أن هناك محاولات غير بريئة لإقحام المؤسسة العسكرية في اللعبة السياسية وفق ما يسعى إليه »الأرسيدي« الذي ادعى زعيمه بأن هناك صراعات داخلها، وهو ما يعني أن سعيد سعدي لا يرغب في تفويت فرصة »غضب الشارع« من أجل العودة إلى واجهة الأحداث بتحدي واضح لقوانين الجمهورية، وكأنه لم يستفد من الصفعات المتتالية التي تلقاها من الشارع ذاته الذي يسعي اليوم إلى تحريضه على العصيان والتمرّد. هناك رسالة أخرى يبدو أنها لم تصل بعد ويحرص »الأرسيدي« على إيصالها هذا السبت وهي تتمثل في رغبته الواضحة في أن تكون المواجهة مفتوحة مع السلطات العمومية بدءا بمصالح الأمن بما يضمن له تحقيق أقصى حدّ من الانزلاقات في شوارع العاصمة، خاصة وأن حضور الفضوليين والذين تُراودهم فكرة التخريب، رغم عدم اقتناعهم أصلا بطروحات هذا الحزب، يكفي لإطلاق شرارة الصدامات وأعمال الشغب، وبالتالي فإن سعدي حريص على توفّر مثل هذه التفاصيل البسيطة والاستثمار فيها بالشكل الذي يخدم أهداف حزبه. وفي النهاية فإن هذه المسيرة المزعومة لا تحمل أية أهداف سياسية ولا اجتماعية مثلما يُحاول التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية إقناع الرأي العام الوطني والدولي بذلك، بقدر ما هي محاولة لإثارة حالة عدم الاستقرار في أكثر المناطق حساسية في الوطن، والدليل أن »الأرسيدي« اختار العاصمة دون غيرها من ولايات الوطن لحاجة في نفس قيادته، ولعلم رئيسه المُسبق بأن مجرّد عدم الترخيص بالتظاهر ضمن له هامشا واسعا للمناورة لتعميم حالة الفوضى وفق ما يرغب فيه، وهذا هو بيت القصيد في واقع الأمر.