جبهة المستقبل تحذّر من تكالب متزايد ومتواصل:"أبواق التاريخ الأليم لفرنسا يحاولون المساس بتاريخ وحاضر الجزائر"    الجزائر تحتضن الدورة الأولى ليوم الريف : جمهورية الريف تحوز الشرعية والمشروعية لاستعادة ما سلب منها    المحترف للتزييف وقع في شر أعماله : مسرحية فرنسية شريرة… وصنصال دمية مناسبة    مذكرات اعتقال مسؤولين صهاينة: هيومن رايتس ووتش تدعو المجتمع الدولي إلى دعم المحكمة الجنائية الدولية    تلمسان: تتويج فنانين من الجزائر وباكستان في المسابقة الدولية للمنمنمات وفن الزخرفة    فروسية/ البطولة الوطنية للقدرة والتحمل: ناديا الفروسية "أسلاك" بتيارت و" لاشياندا' بالبليدة يتوجان باللقب في الفردي    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الصحفي محمد إسماعين    البطولة العربية للكانوي كاياك والباراكانوي: ابراهيم قندوز يمنح الجزائر الميدالية الذهبية التاسعة    إلغاء رحلتين نحو باريس    البُنّ متوفر بكمّيات كافية.. وبالسعر المسقّف    اللواء فضيل قائداً للناحية الثالثة    المحكمة الدستورية تقول كلمتها..    المغرب: لوبي الفساد يتجه نحو تسييج المجتمع بالخوف ويسعى لفرض الامر الواقع    الجزائر العاصمة : غرس 70 شجرة بصفة رمزية تكريما لأصدقاء الثورة الجزائرية    الأمين العام لوزارة الفلاحة : التمور الجزائرية تصدر نحو أزيد من 90 بلدا عبر القارات    السلطات تتحرّك لزيادة الصّادرات    الخضر مُطالبون بالفوز على تونس    الشباب يهزم المولودية    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    مجلس حقوق الإنسان يُثمّن التزام الجزائر    مشاريع تنموية لفائدة دائرتي الشهبونية وعين بوسيف    أدرار.. أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى عدة ولايات بالجنوب    بورصة الجزائر : إطلاق بوابة الكترونية ونافذة للسوق المالي في الجزائر    دعوى قضائية ضد كمال داود    تيسمسيلت..اختتام فعاليات الطبعة الثالثة للمنتدى الوطني للريشة الذهبي    حركة مجتمع السلم: حساني شريف يبرز أهمية تعبئة كل القوى الوطنية لمواجهة التحديات    سباق الأبطال البليدة-الشريعة: مشاركة أكثر من 600 متسابق من 27 ولاية ومن دول اجنبية    وزيرة التضامن ترافق الفرق المختصة في البحث والتكفل بالأشخاص دون مأوى    النعامة: ملتقى حول "دور المؤسسات ذات الاختصاص في النهوض باللغة العربية"    العدوان الصهيوني: الأوضاع الإنسانية في غزة تزداد سوء والكارثة تجاوزت التوقعات    لمست لدى الرئيس تبون اهتماما بالقضية الصومالية    قرار الجنائية الدولية ينهي عقودا للإفلات من العقاب    هذه شروط تأسيس بنك رقمي في الجزائر    استكمال مشروع الرصيف البحري الاصطناعي بوهران    3مناطق نشاطات جديدة وتهيئة 7 أخرى    "السياسي" يطيح بسوسطارة ويعتلي الصدارة    المرافقة النفسية للمريض جزء من العلاج    وفاة طفل تعرض لتسمم غذائي    ضبط مخدرات بالكرط    السداسي الجزائري يستهل تدريباته بمحطة الشلف    إيمان خليف وكيليا نمور وجها لوجه    دورة استثنائية للمجلس الشعبي الولائي للجزائر العاصمة    مجلس الأمة يشارك في الدورة البرلمانية لحلف شمال الأطلسي بمونتريال    دعوة إلى إنقاذ تراث بسكرة الأشم    نحو تفكيك الخطاب النيوكولونيالي ومقاومة العولمة الشرسة    4معالم تاريخية جديدة تخليدا لأبطال ثورة نوفمبر    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    دعم حقوق الأطفال لضمان مستقبل أفضل    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القادة العرب: من عبد الناصر وبومدين إلى الزين
نشر في صوت الأحرار يوم 30 - 01 - 2011

على إثر الهزيمة التي مني بها الجيش المصري أمام الجيش الإسرائيلي في جوان 1967، ألقى الرئيس المصري جمال عبد الناصر خطابا، عبر الإذاعة المصرية، جاء فيه إنه يتحمل المسؤولية الكاملة عما وقع معلنا انسحابه من السلطة وعودته إلى النضال مع المواطنين.
بعد الخطاب مباشرة، عاد إلى أهله ليطلب من زوجته الاستعداد لمغادرة إقامة الرئاسة لأنه لم يعد رئيسا، وتروي الزوجة، بعد وفاته، أنها نظرت إليه يومها متسائلة: لكن إلى أين نذهب ونحن لا نملك أي بيت عبر مصر كلها؟.
جمال عبد الناصر، قائد تنظيم الضباط الأحرار الذي أطاح بالملك فاروق وأقام النظام الجمهوري بمصر وحكم هذا البلد لحوالي عقدين من الزمن، لم يكن، لدى استقالته وحتى عند وفاته، يملك بيتا، ولم يترك وراءه لا ثروة منقولة ولا غير منقولة، كما لم يترك حسابات بالعملة الصعبة.
خلال فترة حكمه، لم يميز عبد الناصر أفراد عائلته عن بقية أبناء الشعب المصري ولا عينهم في مراكز المسؤولية. يروي الصحفي والكاتب حسنين هيكل، صديق عبد الناصر، أن هذا الأخير، لما تخرجت أبنته هدى من الجامعة، طلب منه أن يوظفها عنده في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية وأن يعاملها مثلما يعامل كل الموظفين الآخرين، قائلا بأنه لا يسمح بتوظيفها في أية مؤسسة أخرى من مؤسسات الدولة حتى لا تستغل أو تميز عن غيرها من أبناء مصر.
هكذا كان عبد الناصر الذي رغم الكثير من الأخطاء التي ارتكبت في وقته نتيجة ثقته الكبيرة في الرجال المحيطين به، أو لعدم قدرته على محاسبتهم وكبح نزواتهم وجشعهم، أو لقلة الكفاءة في تسيير الأمور السياسية والاقتصادية وهو الآتي من الجيش برتبة صغيرة، مع ذلك يبقى من أنظف وأصدق القادة الذين عرفهم التاريخ الحديث بالمنطقة العربية.
قائد آخر، حكم بلدا عربيا كبيرا من منتصف الستينيات إلى نهاية السبعينيات وعرف أيضا بنظافة يده ولما مات لم يترك وراءه لا أبناء ولا مال ولا حتى بيت باسمه. إنه هواري بومدين الذي يمكن توجيه النقد لأسلوبه في الحكم أو لطريقته في تسيير شؤون البلد وحتى لفساد بعض من رجاله، لكن لا أحد يستطيع القول أن بومدين غرف من المال العام أو كون ثروة أو ملك شققا وفيلات في الخارج.
أخو بومدين روى ذات مرة، في شريط وثائقي أعد حول الرئيس الراحل، كيف إن زوجة هذا الأخير سلمته، في إحدى زياراته لأخيه في بيته، بذلة للرئيس طالبة منه ارتداءها بدل بذلته التي كانت تبدو قديمة، ولما جاء بومدين إلى البيت والتقى بأخيه سأله من أين جاءته هذه البذلة التي يرتديها، ولما عرف أن زوجته هي من سلمته إياها طلب منه أن ينزعها حالا لأنها ملكا للدولة الجزائرية وليس من حقه أن يتنازل له عنها. بومدين قال لأخيه إن الرئاسة هي من تشتري له بدلاته التي يرتديها ليمثل بها الجزائر كرئيس للجمهورية.
كذلك كان جمال عبد الناصر وهكذا كان بومدين. زعيمان ثملا بحب الوطن، أو خلقا ليكونان رجلان عظيمان، فسكنا كل الوطن ولم يفكرا في امتلاك البيوت أو القصور. مناضلان عربيان، لم يكن بإمكانهما رؤية أنفسهما خارج النضال؛ ولأن المناضل هو الذي يدفع ولا يأخذ فقد دفعا الكثير ولم يأخذا أي شيء، ولم يتركا وراءهما إلا حب الناس.
حب الناس هو أكبر ثروة يعتز بها المناضل والقائد الصادق المخلص لوطنه. عندما أتكلم مع أفراد من جيل ولد بسنوات عديدة بعد وفاة بومدين وألمس لدى هؤلاء كل الحب والتقدير للرجل، أقول أن هذه أكبر ثروة تركها بومدين، ونفس الشيء بالنسبة لجمال عبد الناصر.
تذكرت الرجلين، وأنا أقرأ وأتابع ما ينشر عن ثروة الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي وعن أملاك زوجته وأقاربه وأنسابه في تونس وفي الخارج. البعض يقدر ثروة الرجل وزوجته بخمسة ملايير دولار، هذا دون الحديث عن المآسي الناتجة عن سنوات الحرمان والسجن والقمع التي تعرض لها الآلاف من التونسيين الأحرار.
نفس الشيء يقال هذه الأيام عن الرئيس المصري حسني مبارك التي تختلف الأنباء في تقدير ثروته وثروة ولديه جمال وعلاء، فالبعض يقدرها بخمسين مليار دولار. ويبدو أن الرجل لم تكفيه الثلاثين سنة من الحكم ولا كل الثراء الذي حققه لذريته فأراد أن يورث أحدهما حكم مصر. وها هي مصر ترتج تحت أقدام الحاكم ولا أحد يعرف بأية طريقة سيهرب بها وإلى أين.
وضع الرئيس المصري الحالي يعيدني إلى الحديث عن جمال عبد الناصر وكيف أن الجماهير المصرية خرجت في مظاهراتها الحاشدة، على إثر إعلانه الاستقالة من رئاسة الجمهورية بعد هزيمة 1967، لتطلب منه البقاء في الحكم معلنة تجندها التام، تحت قيادته، لتحرير الأرض. نقارن هذا بما يقع اليوم في شوارع مصر لنكتشف بأن الجماهير تعرف دائما لمن تمنح حبها وضد من توجه ثورتها. هي فضلت عبد الناصر، رغم مسؤوليته عن الهزيمة، لأنها كانت مقتنعة بأن الرجل كان صادقا. الجزائريون بكوا بومدين لدى وفاته لأنهم كانوا يرون، رغم ندرة السلع في السوق والتضييق على الحريات، أن الرجل كان يستثمر كل دولار يدخل إلى الجزائر في الجزائر وأن البلاد كانت عبارة عن ورشة كبيرة، وأن المصانع تشيد والمدارس تفتح وكرامة الجزائري جد محفوظة في الخارج.
إننا نشاهد نهاية جيل جديد من الحكام ابتعدوا كثيرا عن الشعب فلم يعودوا يشعرون بنبضه ولا يهتمون بحاجاته. مماليك جدد، تحكموا في أعناق الناس بالقوة والقمع، وآمنوا بأنها دانت لهم فحاولوا تحويل شعوبهم إلى مجرد كم هزيل من الناس يمكن التحكم فيه والمتاجرة به وحتى توريثه.
كل الفرق بين رجال كجمال عبد الناصر وهواري بومدين وبين بن علي وحسني مبارك يكمن في النظرة إلى الشعب: هل هو مجرد غاشي يسيره الحاكم كيف ما شاء أو في أحسن الحالات رعية تورث؟ أم هو شعب له كل الحقوق ومنها محاسبة الحاكم على طريقة تسييره للشأن العام، بمعنى مواطن حر وسيد؟
بومدين قال ذات مرة: يلعن أبوها الثورة التي تطأطئ رأسها .. أنا لا يشرفني أن أكون رئيسا لشعب يطأطئ رأسه.
كل الفرق هو إذن على هذا المستوى: رئيس حكم شعبه فوفى وصدق ولم يختلس ولم يخون ولم يقرب أهله وذريه بل حاول التعامل مع كل أبناء الوطن وجلب أفضل الكفاءات في زمانه، وبين من حكم فتصرف في المال العام من دون حسيب ولم يراقب زوجته وأبنائه وأفراد عائلته فأثروا ومارسوا كل أنواع الفساد؛ ثم يأتي ليخطب في الجماهير الثائرة قائلا: «لقد غلطوني«. مع أنه هو من اختار الذين غلطوه، وهو من فتح لهم كل الأبواب ومكنهم من الرقاب.
كل الفرق هو أيضا على مستوى من آمن بأن الشعب مكون من مواطنين أحرار لا يورثون وبين من أراد تحويل المواطنين الأحرار إلى مجرد رعية وباشر مهمة تحويل الجمهورية إلى جملكية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.