لا شيء سيوقف الجزائريين، الهدف واضح ولا يمكن التشويش عليه، إنه التغيير الحقيقي الذي يطلق مسار بناء دولة القانون، وفي أول جمعة من رمضان كان الجزائريون على موعد مع يوم آخر لصناعة التاريخ. المطالب لم تتغير، إنها تدور حول رفض إشراف رموز حكم بوتفليقة على الانتخابات أو مشاركتهم في أي عملية انتقال ديمقراطي، ثم يأتي الرفض الصريح لتنظيم انتخابات في الظرف الحالي ولا بد للسلطة أن تستوعب الرسالة وتتعامل معها بجدية. أسبوعان فقط وينتهي أجل إيداع ملفات الترشح ولا شيء يشير إلى وجود أجواء انتخابية، والمظاهرات في الشوارع هي في النهاية استفتاء صريح يصدر من خلاله الشعب الحكم على الحل الذي تقترحه السلطة والمتمثل في الخيار الدستوري بالصيغة التي مثلتها طريقة تطبيق المادة 102 من الدستور. الانتخابات دخلت في حكم الاستحالة تقنيا، لكن ليس هذا فحسب، فحتى من الناحية السياسية سيكون من الصعب جدا تنظيم انتخابات ذات مصداقية في وقت تبدو الساحة السياسية مفرغة من كل القوى بعد أن تجاوز الشعب المنظومة القائمة وكسر قواعد العمل السياسي التي اثمرت فشلا ذريعا، ومن هنا فإن الحد الأدنى من الإنصاف يتطلب توفير ظروف موضوعية تمكن الأغلبية التي تعبر في الشارع وترفض القواعد الحالية للعمل السياسي من المشاركة في صياغة الواقع الجديد. صحيح أن الانتخاب آلية ملازمة للديمقراطية لكنها ليست الديمقراطية، وقد أثبتت التجربة أن تنظيم انتخابات دورية لم يحل أزمة الشرعية التي بقي النظام السياسي يعاني منها، ومع مرور الوقت صارت القاعدة هي الطعن في نزاهة ومصداقية هذه الانتخابات وهذا أفقدها أهميتها باعتبار أنها لم تعد آلية للتداول على السلطة أو للتغيير أو للتحكيم، وسيكون إجراء الانتخابات في هذه الظروف، وفي ظل احتجاجات شعبية عارمة تكريسا للأزمة بدل المساهمة في حلها. إن الثورة السلمية للشعب الجزائري توفر اليوم لصناع القرار فرصة تاريخية من أجل الإسهام في بناء الدولة التي يريدها الشعب، وهي تقدم الدعم والحماية لأي قرار يتخذ في اتجاه صياغة حل حقيقي يحسم مسألة الشرعية وينهي الجدل حول مشروع بناء الدولة من أجل للالتفات إلى بناء جزائر المستقبل، جزائر يستحقها هذا الشعب المتمسك بإنقاذ وطنه.