يرى الشيخ عبد الله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية أنه لا سبيل لتهدئة الشعب وعودة الناس إلى ديارهم إلا بذهاب جماعة نظام عبد العزيز بوتفليقة ومجيء آخرين يرضى عنهم الشعب، يسيروا مرحلة انتقالية قصيرة، يوفرون خلالها شروط العودة إلى المسار الانتخابي الصحيح. حاوره: إلياس بوملطة النصر: بعد ثمانية أسابيع عن انطلاق الحراك الشعبي و بعد كل التطورات السياسية التي حصلت كيف ترون المخرج الأمثل من الازمة الحالية؟ عبد الله جاب الله: تحدثنا عن المخرج كحزب وقدمنا تصورا واضحا ومتكاملا في آلياته ومهامه وأهدافه، وتحدثنا عنه أيضا في إطار فعاليات قوى التغيير، وهو يقوم على المواد الثلاث 102 الفقرة الرابعة و ، 07 و 08 ، نأخذ من المادة 102 شغور منصب الرئاسة، ثم نبحث عن الآليات لتجسيد مضامين المادة 7 بعد ذلك يصاغ إلى تفعيل آليات للمادة 8 بالعودة إلى بناء مؤسسات الدولة بناء عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة. - عمليا كيف يمكن ذلك في وجود رأيين، الأول متمسك بالدستور والذهاب لانتخابات في ظرف تسعين يوما، والرأي الثاني يطالب بمرحلة انتقالية وتجاوز المادة 102 بشكل كامل. ما تعيشه الجزائر حالة غير عادية تعالج بحلول استثنائية - في إجابتي الأولى أشرت إلى المقترح دون التفصيل لكن الرؤية مفصلة، قلت نأخذ المادة 102 الفقرة الرابعة التي تتحدث عن الشغور أما الآليات التي تحدثت عنها في الفقرات السادسة والثامنة، ثم في المادة 104 فهي آليات تحكم الأحوال العادية يعني البلد لما يكون مستقرا، والشعب يكون هادئا، فلما يمرض الرئيس أو يتوفى أو يستقيل عندئذ تكلف تلك الآليات الضامنة لاستمرارية نظام الحكم، وعلى رأسها رئيس الدولة الذي ينصب لمدة ثلاثة أشهر في حالة الاستقالة، ثم يحضر لانتخابات رئاسية. لكن نرى أن كل هذه الآليات لا تتناسب وطبيعة الوضع القائم في البلاد، المتميز بتحرك الشعب في مسيرات مليونية منذ 22 فبراير وقد أيدت هذا الحراك جميع القوى الفاعلة في المجتمع وجميع النقابات والأسلاك المهنية، ولذلك أضحى هبة شعبية عارمة تطالب بذهاب نظام بوتفليقة، هذا يعني من الناحية السياسية أن البلاد تعيش أزمة سياسية، وهذه الأخيرة لا تعالج إلا بالحلول السياسية. وذلك يكون بتفعيل القواعد المتعارف عليها دوليا وفي مقدمتها قاعدة أن الأمة هي صاحبة الحق في السلطة، بمعنى أنها هي مصدر السلطة وهي التي تمنح الشرعية لسلطات الدولة المختلفة وأن الشعب وهو صاحب الحق إذا سحب ثقته من السلطة فعل ذلك، وقد فعل ذلك من خلال المسيرات المذكورة وفعله هو أقوى صور التعبير عن الرأي يحمل الدلالات التالية، أنه سحب الشرعية عن السلطات القائمة فأصبحت غير شرعية، وكل ما يصدر عنها هو في نظر الفقه الدستوري القائم على مبدأ سيادة الشعب غير شرعي. وثانيا لقد قرر الشعب استرجاع سلطته ليمارسها بنفسه، ثالثا قرر أن يمارس سيادته كاملة، رابعا قرر أن يرسم مستقبله بنفسه، وأخيرا رفض كل أنواع الوصاية عليه من جميع المؤسسات بما فيها مؤسسات السيادة. وهذه القرارات هي جوهر مضامين المادة السابعة من الدستور، فالحالة القائمة اليوم في البلد غير عادية، والحالات غير العادية تعالج بحلول استثنائية يسميها البعض حلولا سياسية، وقد اختار المشرع الجزائري سنة 1977 في موضوع الاصطلاحات النظام القانوني الاصطلاح رقم 35، المزج بين الدستوري و السياسي فاعتبرهما شيئا واحدا، وعليه فالحل السياسي المحقق لمضامين المادة السابعة ، وهي مادة سيدة محكمة في سائر المواد ذات الصلة يعتبر حلا دستوريا، وعليه فإن الآليات التي تكون لازمة لتحقيق مضامين المادة السابعة هي آليات لها قيمة دستورية. ومن هذه الآليات التي اقترحناها، أولا تنصيب مجلس رئاسي من الأشخاص الذين لهم الأهلية العلمية والعملية ولهم المصداقية لدى الشعب، هذه الهيئة تنصب في مقر رئاسة الجمهورية وتتولى تسيير مرحلة انتقالية قصيرة قد لا تتجاوز ستة أشهر، تعمل خلالها على، تنصيب حكومة كفاءات من أشخاص ذوي الأهلية العملية و العملية، وذوي المصداقية لدى الشعب يسهرون على تصريف الأعمال والتحضير المادي اللازم للعودة للمسار الانتخابي. نريد من الجيش المساعدة في تنصيب هيئة رئاسية ثانيا تنصيب لجنة وطنية لمراجعة قانون الانتخابات في جانبين، سد الثغرات الموجودة في القانون والتي طالما استغلت في التزوير، وإدخال التعديلات اللازمة الكفيلة بإسناد ملف الانتخابات لهيئة مستقلة استقلالية حقيقية. وتتمثل المهمة الثالثة للهيئة الرئاسية في تنصيب اللجنة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات، تباشر هذه الهيئة بعد ذلك تنظيم الانتخابات الحرة والنزيهة لبناء مؤسسات الدولة، وإذا قررت هيئة الرئاسة البدء بالانتخابات الرئاسية فلابد أن يصار إلى تعديل دستوري جزئي يحقق التوازن في الصلاحيات بين السلطات، أما إذا قرروا البدء بانتخابات تشريعية فلا حاجة لمثل هذا التعديل، هذا هو الحل الذي نقترحه من طرفنا ومن طرف فعاليات قوى التغيير وهو يعتبر حلا ذا طبيعية دستورية. نفهم من هذا أنكم لستم مع حل الذهاب نحو انتخابات رئاسية يوم الرابع جويلية؟ - إن ما ذهبت إليه السلطة القائمة غير الشرعية في تمسكها بالمادة 102 و 104 بدعوى احترام الدستور فهي دعوى باطلة للدلالات التالية، أولها أن هذه الجهة أصبحت فاقدة للشرعية لأن الشعب سحب ثقته منهم وطالبهم بالرحيل، والشرعية الشعبية هي الأصل والأساس وهي مقدمة على كل شرعية بما فيها الدستور وهذا أمر متفق عليه بين جميع فقهاء الدستور وبين السياسيين الذين يتبنون النظام الديمقراطي. ثانيا إن المادتين 102 و 104 تحكمان الأحكام العادية، ووضع البلد اليوم غير عادي، لذلك يعالج بحلول غير عادية، ثالثا إن الاجتهاد التشريعي والدستوري و القانوني ينصب عن البحث عن الحل في النص، وإذا لم يجد حلا فيه كما هي الحال اليوم في الجزائر يصار إلى البحث عن حل في القواعد الأصولية والدستورية والقانونية، وبالبحث نجد أن أهم القواعد المعتمدة في معالجة مثل هذه الأوضاع التي لها من التعريفات في حياة الناس والمجتمعات والأنظمة والعلاقات الدولية ما لا يعد ولا يحصى هي قاعدة « ما لا يتم الواجب به فهو واجب»، أو قاعدة أن الوسيلة تأخذ حكم الغاية والمقصد الذي يجب تحقيقه. وهنا نجد أن مطالب الشعب في التغيير لا تتحقق عبر آليات المادة 102 و 104 بل هي لا تخدم هذه المطالب بل تلحق الضرر بها وتمكن للشخصيات والمؤسسات المرفوضة من طرف الشعب من فرض انفسهم على الشعب وتنظيم الانتخابات والإشراف عليها وكل ذلك رفضه الشعب، وعليه فإن تلك الآليات أضحت قاصرة على خدمة مطالب الشعب فتسقط عندئذ لعجزها وضررها. رابعا المعروف أن الغرض من وراء وضع الدساتير والقوانين هو أنها تعبير عن إرادة المشرع الملزمة لتحقيق الصالح العام وخدمة مصالح الناس وحفظ حقوقهم وحرياتهم، فإذا أضحى الدستور أو بعض مواده قاصرة عن تحقيق الصالح العام أو ضارة به تسقط تلقائيا ويصار إلى وضع مواد أخرى تقوى على خدمة المصالح والحقوق، والحال عندنا أن آليات المادتين 102 و 104 قاصرة عن خدمة الصالح العام الذي عبر عنه الشعب وأضحت ملحقة للضرر به، وعليه فإن مسلك السلطة غير الشرعية مسلك غير دستوري وغير أخلاقي وهو صورة من صور الاستبداد والظلم الذي تمارسه هذه الفئة على الشعب، والمطلوب من جميع القوى المؤمنة بأن الشعب هو صاحب السيادة والسلطة والمؤمنة بمطالبه أن ترفض ما يأتي من هذه السلطة ولا تتعاطى معه، والتعاطي معه خيانة للشعب. - يبدو أن المعارضة بمختلف أطيافها ومشاربها غير متفقة تماما على طبيعة وتفاصيل المرحلة الانتقالية فأنتم تتحدثون عن 6 أشهر وهناك من يطالب بعام كحد أدنى، فضلا عن عدم وضوح لون هذه المرحلة، ومن يتخوف من دخول في مغامرة غير معلومة العواقب؟ - إذا كان الخلاف في المدة فهو ليس خلافا جوهريا، بل خلاف شكلي قابل للنقاش في تقديرنا ستة أشهر كافية، وإذا رأى البعض أنها غير كافية فيمكن مناقشتها مع الهيئة الرئاسية والحكومة، ثم إن فترة 90 يوما هي في حد ذاتها مرحلة انتقالية فما هو مبرر الخوف، الفرق أن هناك مرحلة انتقالية تسيرها سلطة غير شرعية رفضها الشعب، أو مرحلة انتقالية تسيرها مؤسسات يرضى عنها الشعب وهي مؤتمنة على مطالبه فأيهما أولى، فهذا هو الفارق. اقترحنا مرحلة انتقالية من 6 أشهر توفر مناخ العودة للمسار الانتخابي الصحيح ثم الفارق الثاني الجوهري أن المرحلة المقترحة من طرفنا مؤسسة تأسيسا دستوريا وقانونيا وسياسيا قويا وقد سلف ذكره، أما المرحلة التي اقترحها هؤلاء فهي غير مؤسسة دستوريا. لكن ما هو الضامن في هذه الحال؟ الضامن الوحيد هو الوفاء لمطالب الشعب، ثم إن التجارب البشرية هنا وهناك كلها ضامنة وكثيرة جدا، التحول الديمقراطي ليس جديدا في الجزائر، هناك تجارب في العالم الغربي، في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، لما الشعوب خرجت وبأعداد اقل مما خرج به الشعب الجزائري، المؤسسات العسكرية هناك تجاوبت مع مطالب شعوبها وساعدت على تحقيق تلك المطالب بمراحل انتقالية قصيرة سيرها أشخاص ترضى عنهم شعوبهم فتمهد الطريق أمامهم للبناء الديمقراطي السليم والصحيح. - كيف تتصورون دور مؤسسة الجيش اليوم وغدا؟ - طلبنا منها أن تساعد على تحقيق مطالب الشعب لم نطلب منها أن تقدم حلا أو تدير مرحلة انتقالية، طلبنا المساعدة على تنصيب الهيئة الرئاسية في مقر الرئاسة وتسليم ختم الرئاسة لها، هذا هو الدور الذي نريده من الجيش. - لكن هناك طيف من المعارضة بدأ بمهاجمة قائد الأركان والجيش عموما بسبب تدخله في الشأن السياسي؟ - نحن ندرك بأن الجيش كان في السياسة وفي إدارة شؤون الدولة منذ الاستقلال، ربما ضعف دوره في العهدات الأخيرة للرئيس بوتفليقة، أما التهجم على المؤسسة ورموزها فنحن لسنا من هذا التوجه لأنها تظل من المؤسسات الدستورية الموضوعة لخدمة الشعب، وهي إن تقدم خدمة للشعب فهذا ليس خروجا عن الوظيفة الدستورية، وعليه طلبنا منها مساعدة الشعب على تحقيق مطالبه. - ما هو تصوركم لشكل الدولة و شكل النظام السياسي ومؤسساته في المستقبل؟ +- لكل شعب مرجعيات يتميز بها عن غيره وهي الحافظة لوحدته والرابطة بين حاضروه وماضيه ومستقبله، وللشعب الجزائري مرجعيات تميز بها خلال قرون وآخرها ذات الصلة بالموضوع مرجعية بيان أول نوفمبر الذي نص على أن الهدف من الثورة هو إقامة دولة جزائرية وديمقراطية واجتماعية ذات سيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية. وكان هذا البيان محل إجماع بين الجزائريين يومها، وكان الواجب الملقى على عاتق القيادات التي استملت الحكم بعد الاستقلال وتعاقبت عليه إلى اليوم هو إقامة تلك الدولة والوفاء لعهد الشهداء من جهة، ولكونها الدولة التي تتوفر فيها الخصائص التي تؤمن بها مكونات المجتمع وناضلت الكثير من التيارات من أجل إقامتها، بعض هذه التيارات يجد راحته في الخاصية الديمقراطية لنظام الحكم، والبعض الآخر يجدها في المبادئ الإسلامية التي هي مرجعية الدولة بما تمارسه من اجتهادات مختلفة سواء تعلقت بموضوع المبادئ الناظمة للمجتمع والدولة أو الحقوق والحريات ووظائف السلطات والرقابة على أعمالها.ولذلك فإن هذه الدولة الأمل هي ما نناضل من أجله، وهي الدولة التي ترى إمكانية وضرورة حصول توافق مكونات المجتمع حولها. لسنا مع التوجه الذي يهاجم المؤسسة العسكرية - بطبيعة الحال الجزائر مقبلة على مرحلة جديدة كيف تتصورون شكل و دور المعارضة مستقبلا، وهي التي أبانت عن عجزها في المرحلة الحالية، وقد تجاوزها الحراك الشعبي بقوة؟ - المعارضة القائمة اليوم أنواع، منها من ساهم مع السلطة في مراحل سابقة وشارك في الحكم، وهناك معارضة ظلت دائما متخندقة مع الشعب وهي من ضحايا كل الأنظمة التي تعاقبت على الحكم، فهل يستويان؟ بطبيعة الحال لا . إذا وقعت تعديلات جوهرية واسعة مستقبلا على الدستور وقانوني الانتخابات والأحزاب فلابد من احترام ذلك من طرف الجميع. أما بشأن فشل المعارضة فإنه لا مسؤولية حيث لا سلطة، ولا واجب حيث لا حق، فمن يملك سلطة الفعل يتحمل مسؤوليته، ومن لا يملك حق التمتع بإمكانيات الفعل يسقط عنه الواجب، وعليه فالأحزاب التي هي خارج السلطة لا تسأل إلا عن أقوالها وأفعالها ومواقفها، ولا تسأل عن النتائج. - لكن من الواضح أن هذه المعارضة لم تستطع إخراج الشعب إلى الشارع مثلا لمعارضة السلطة، وهو ما يبين محدودية تأثيرها؟ - خروج الشعب هو تراكم لنضالات الأحزاب والنقابات والمنظمات، وقد ساهمت فيه أيضا قوة متعددة داخل المجتمع مثل الإعلام والشخصيات وغيرها. - كيف تتوقعون تطور الأوضاع في البلاد في الأيام المقبلة؟ - الشعب رافض لنظام بوتفليقة وأوليائه، وقد طالب برحيلهم جميعا، وتطبيق المادتين 102 و 104 تصرف ضد الشعب وهو خادم لأولياء بوتفليقة وبقائهم في السلطة، ولا سبيل لتهدئة الشعب وعودة الناس إلى ديارهم إلا بذهاب هؤلاء ومجيء آخرين يرضى عنهم الشعب ليسيروا مرحلة انتقالية قصيرة يوفرون خلالها شروط العودة إلى المسار الانتخابي الصحيح.