لا يشك أحد في أن تغيير الدستور الذي تقترحه السلطة على الشعب الجزائري سينتهي إلى الفشل.. فالأزمة السياسية في أي بلد لا تحل بتعديل الدستور أو تبديل القوانين، بل تحل بتنظيم انتخابات حقيقية تفضي إلى إقامة الشرعية السياسية كحكام جدد يكون الشعب قد سحب منهم الثقة عبر فشلهم في أداء مهامهم التي انتخبوا من أجلها. معنى هذا الكلام أن الشرعية لا تعطيها السلطة للشعب عبر ما تقترحه عليه من تعديلات في الدستور، بل الشرعية يعطيها صاحب الشرعية للحكام إذا اهتزت شرعيتهم مثلما هو الحال في بلادنا الآن. فشل السلطة في هذا المسعى أصبح أكبر لأن السلطة في ثلث القرن الأخير لم تتصدَّ لأية مشكلة ونجحت في حلها. تصدت السلطة لمسألة التعددية وبناء الديمقراطية بعد أحداث أكتوبر وفشلت فيها فشلا ذريعا.. ونتائج ما يقع الآن بين السلطة والمعارضة يعكس هذا الفشل القاتل.. فحال البلاد الآن من حيث الديمقراطية ومشاركة الشعب والحريات هي أسوأ من حالها قبل أحداث أكتوبر.. فالاستبداد والفساد صار قاعدة العمل السياسي للسلطة الآن. السلطة تصدت للأمن والأمان طوال ربع قرن.. وأهدرت كل القيم الإنسانية من أجل بلوغ هذا الهدف وهو بسط الأمن.. والحال أنها فشلت بصورة صارخة. فرغم أن السلطة بَولست وعسكرت الحياة العامة للمواطنين إلا أن الإرهاب واللاأمن ما يزال هو سيد الموقف في مناطق عديدة وحيوية في البلاد.. حتى القاعدة التي لم يكن لها أي وجود في الجزائر أصبحت موجودة عندنا، وأحوال أمننا على الحدود حدث ولا حرج، فالبلاد أصبحت بالفعل تحت الإقامة الجبرية لأن كل حدودها إما مغلقة أو شبه مغلقة. السلطة وعدت بمكافحة الفساد، وخلال ربع قرن الأخير وصل الفساد إلى الحكم وأصبح هو الذي يحكم في الجزائر وبلا معارضة، وبات المواطن العادي يحس أنه يعيش الغربة الكاملة في وطنه الذي احتله الفساد والاستيراد والرداءة، فالجزائر ريع الخيرات أصبحت مأوى ذئاب كدرت صفو الحياة. لا أتحدث عن مشاكل الشغل والسكن والمياه والفلاحة والصناعة والتعليم والثقافة والنقل والصحة والعدالة والإعلام، فكل هذه القطاعات تعيش الأزمات الحادة والخانقة، ولا مجال للحديث فيها أو عنها لأن هذه القطاعات تعيش الأزمة العميقة والهيكلية بسبب سياسة البريكولاج التي تتطلبها سياسة حكم البلاد بالفساد والرداءة والاستبداد. الشعب ينتفض ويضرب ويحتج في كل مكان وفي كل القطاعات، والسلطة ترى ذلك من قبيل التأييد والمساندة لها! أنشر على