سعيد سعدي يريد أن يختزل طريق التغيير ويدعو إلى انقلاب عسكري، ولا يمكن أن نفهم كيف تأتي هذه الدعوة من شخص ظل ينادي منذ وقت غير قصير بضرورة أن ينسحب الجيش من السياسة، وظل يتهم الجيش وأجهزته الأمنية بأنها تسيطر على البلاد وتشتت المعارضة، فما الذي تغير حتى يصبح هذا الجيش هو الوحيد القادر على التغيير؟. مواقف سعدي من الجيش تختزل مسار هذا السياسي المتلون، فقد كان من أشد المدافعين حماسة عن خيار وقف المسار الانتخابي، وكان من الذين أثنوا على تدخل الجيش في السياسة وسيطرته على الحكم في سنة 1992، وقد ظل طيلة لسنوات طويلة حريصا على عدم انتقاد المؤسسة العسكرية أو المؤسسة الأمنية، وعندما أراد أن يعود إلى المعارضة التي لم تعد تثق فيه بدأ بمهاجمة المخابرات التي يقول إنها تصنع الرؤساء، وهاجم الجيش في السنوات الثلاث الأخيرة لأن ذلك يعتبر حسب رأيه شرط مصداقية لا بد من توفره، وربما ظن سعدي أن منافسة جبهة القوى الاشتراكية لا تكون إلا بمزاحمته في مهاجمة الجيش والمؤسسة الأمنية. اليوم يريد سعدي من هذا الجيش أن يستولي على السلطة وأن يبدأ مرحلة انتقالية، وبكلمات أخرى أن سعدي يريد أن يناضل من استوديوهات القنوات الفضائية وينتظر الجيش أن يمهد له الطريق للوصول إلى الحكم، وهو الذي فشل في تجنيد بضعة آلاف للمشاركة في مسيرة من أجل التغيير، ولم يفلح في إقناع الجزائريين بأنه يناضل حقا من أجل التغيير. سعدي يريد أن يبدأ من حيث انتهى الآخرون في تونس ومصر، وبهذا يبقى وفيا لمواقفه التي تثير مزيدا من الريبة في أهدافه، فقد تعود على لعب أدورا أكبر منه وهو يصر على لعبة الظلام التي طالما مارسها، فهذا الرجل، مثل النظام الذي يدعي أنه يريد تغييره، لم يستوعب التحولات التي جرت من حوله، وهو يعيد ارتكاب نفس الأخطاء التي ستعجل بخروجه من ساحة السياسة من أضيق الأبواب.