ما هي دلالات الوصف الروسي للتدخل الغربي في ليبيا ب " الحرب الصليبية " للقرون الوسطى؟ وما هي دلالات التخوف الصيني من تداعيات التدخل ؟ وما هي خلفيات " اندهاش عمرو موسى"؟ ولماذا يسعى الغرب إلى توسيع نطاق الحظر الجوي على ليبيا؟ ولماذا دعت الجزائر إلى الوقف الفوري للتدخل الأجنبي وتمكين الليبيين من حل سلمي للأزمة؟ أولا لا بد من الإشارة إلى أن التدخل الغربي في ليبيا تحت عباءة مجلس الأمن، كان ممكنا تفاديه لو كانت هناك قراءة سليمة لمستجدات الوضع العربي والعالمي، فلو تعامل معمر القذافي بدبلوماسية مع الأحداث في ليبيا لكان ممكنا تقليص الفاتورة، لكنه لجأ إلى خطاب التهديد الذي ألهب الشارع، وكان ممكنا للقذافي أن يظل في موضع " الملك المبجل " بوصفه قائد ثورة وليس رئيسا، كما قال عن نفسه، لو أقدم على إحداث تغييرات سياسية تشمل المسؤولين والقوانين لكنه بكل أسف لم يفعل. كان ممكنا لسيف الإسلام أن يلعب دور المنقذ لو لم يتدخل في بداية الأمر بالشكل الذي تدخل به، فوضع نفسه موضع المتهم بدل أن يضع نفسه موضع المنقذ ورجل التحديات الجديدة. وكان ممكنا للجامعة العربية أن تقوم أولا بدور الوسيط الذي يقترح الحلول لتجنب الإصطدام البيني أو التدخل الخارجي، لكنها كانت السباقة إلى دعوة الغرب للتدخل، خدمة لأطماع عمرو موسى الذي يطلب ود الغرب ودعمه للظفر برئاسة مصر. كان ممكنا لروسيا التي وصفت التدخل الأممي في ليبيا بالحرب الصليبية أن تستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن، وكان ممكنا للصين أن تستخدم حق النقض أيضا، لكنها لم تستخدمه خلافا للولايات المتحدة أو بريطانيا مثلا اللتين لا تترددان في استخدام هذا الحق دفاعا عن مصالح حلفائهما. لقد بينت مختلف الأحداث التي عاشها الوطن العربي من العراق إلى لبنان إلى غزة وفلسطين إلى السودان وغيرهم أن العرب لا يملكون صداقات حقيقية يراهنون عليها في وقت الشدة، وبينت أيضا أن العرب لا يملكون قراراتهم ولا سيادة لهم، وأن جامعتهم العربية هي مجرد أداة متناغمة مع سياسة مصر الخارجية أولا وأخيرا. الآن وبعد ما تدخل الغرب لفرض الحظر الجوي على ليبيا باسم الشرعية الدولية الناتجة عن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 ، بدأت ردود الفعل تأتي بشكل " رب عذر أقبح من ذنب ". فالروس يصفون التدخل بالصليبية ويرفضون استخدام القوة في العلاقات الدولية، وعمرو موسى يقول إن الحظر تجاوز الحدود التي طالبت بها الجامعة العربية، إن مجرد " الحب في زمن الحرب " لا يعني شيئا. لقد بدأت تسريبات إعلامية غربية عن احتمال توسيع دائرة الحظر الجوي ليشمل كل ليبيا، وهو ما يطرح تساؤلات جدية عن أهداف التدخل الغربي بداعي حماية المدنيين؟ ألم يكن المدنيون وحدهم هم الضحايا عام 2006 في لبنان ؟ ألم يكن المدنيون وحدهم هم ضحايا الفوسفور الأبيض عام 2009 في غزة ؟ ما هو الفرق بين المدنيين في ليبيا والمدنيين في غزة ولبنان ؟ وقبل ذلك وفي عام 1991 جندت أمريكا 31 حليفا ضد العراق لتحرير الكويت ، لكن الكويت ليست الحالة الوحيدة في العالم بل هناك حالات مشابهة لها. عندما سئل برتراند راسل عن حدود تسامحه مع الشيوعيين، أجابهم قائلا " إلى حد وصولهم إلى السلطة "، وهكذا يمكن القول إن البترول محرك رئيسي للتدخل الغربي وليس المدنيين، وبالتالي فإن حدود التدخل الغربي في ليبيا تتوقف عند ضمان آبار النفط، حتى لو سقط مدنيون آخرون وهم ليبيون على أية حال. ولما بدأت النوايا تتضح وتتجلى ولدت التخوفات، التي جعلت روسيا والصين وعمر موسى وأردوغان يشككون في أهداف تنفيذ قرار الأممالمتحدة رقم 1973، وهو الذي جعل الجزائر تجدد طلبها بالوقف الفوري للعنف وللتدخل الأجنبي وتمكين الليبيين من حل مشاكلهم بطريقة سلمية. لكن الغرب اليوم، لا يستمع لروسيا ولا للصين ولا للجزائر، إنه ينفذ قرار مجلس الأمن، وبدون تكلفة تقريبا، لذلك لن يتوقف قبل تحقيق أهدافه، وهو يتمنى أن تطول مدة بقاء الحظر على ليبيا، فهو مستفيد في كل الحالات، من جهة يحقق أهدافه الإستراتيجية، ومن جهة أخرى يتخلص من أسلحته القديمة، ويجرب أسلحة جديدة وخططا تكتيكية حربية جديدة. ودون شك فإن التكلفة الحربية ستكون على عاتق الدول الخليجية، فالحظر الجوي الجزئي يكلف نحو 300 مليون دولار أسبوعيا، وقيمة الصاروخ الواحد في حدود 2 مليون دولار. هكذا إذن نكون قد وصلنا إلى منعرج حاسم وخطير ويجب أن يتحمل فيه شجعان ليبيا كامل المسؤولية، لقد أضحى رحيل النظام الليبي حتمية من أجل ليبيا أول وأخيرا، لأن رحيل النظام الليبي يسحب كل أوراق اللعبة الغربية بتواطؤ عربي، حينها ، ربما يستطيع أحرار العالم مواجهة مطامع الطامعين.