الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تخصص منذ وقت في إصدار البيانات السياسية، ويبدو أن الشيخ يوسف القرضاوي اختزل الاتحاد في شخصه المحترم، فالبيانات تصدر بسرعة قياسية للتعقيب على كل الأحداث، وفي كل الأحوال لا نسمع عن اجتماعات تعقدها هيئات هذا الاتحاد من أجل دراسة أي قضية خاصة عندما تكون سياسية. المواقف التي تصدر عن هذا الاتحاد تتطابق بشكل غريب مع مواقف قطر المعبر عنها إعلاميا بخطاب قناة الجزيرة، والتي يتم ترويجها دينيا باسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فقد أصبح الشيخ يوسف القرضاوي يشارك بصفة منتظمة في نشرات الأخبار التي تبثها القناة، وقد لعب هذا الدور أثناء انتفاضة الشعب المصري، ولكنه تميز خصوصا بإهدار دم العقيد القذافي على الهواء مباشرة والتحريض على قتله مع التأكيد على أنه يتحمل المسؤولية نيابة عن الفاعل، وقد لوحظت الفوارق الواسعة بين موقفه من حسني مبارك وطغاة مصر وبين موقفه من القذافي بقدر الفرق الذي لوحظ في موقف قطر والمعالجة الإعلامية لقناة الجزيرة. إلى جانب القرضاوي تم تقديم المعارض الليبي علي الصلابي بصفته عضوا في الاتحاد وليس بصفته معارضا، وهو ما يعني الإمعان في استعمال هذه الهيئة التي لها طابع علمي، حسب التسمية، من أجل التعبئة السياسية لقلب أنظمة حكم بعينها، وفي المقابل لا يقول الاتحاد شيئا عن دول الخليج وخاصة السعودية، وهو يزكي بصمته قمع المتظاهرين في البحرين لأن الأمر يتعلق بالعلاقة مع إيران من وجهة نظر حكومات الخليج، وقبل هذا كان مشروع التقريب بين المذاهب الإسلامية قد دخل في نفق مظلم لأن هناك من سار وراء أمريكا التي تريد أن تقنع العرب بأن مشكلتهم مع إيران وليس مع إسرائيل. اليوم يعلق الاتحاد على خطاب الرئيس السوري وسياسته، وهو من خلال هذا النقد يدعو السوريين صراحة إلى شق عصا الطاعة على حاكمهم وتغيير النظام هناك، والغريب في كل هذا أن أهواء كل هؤلاء العلماء تتطابق نصرة لموقف حكومات الخليج. هذه صورة أخرى تقدم لنا سببا آخر لتخلفنا الذي يأخذ في كل يوم أبعادا مخيفة، والغريب أن مناصرة بناء الدولة المدنية الحديثة وإطلاق الحريات تأتي من هيئة تستغل الدين الحنيف لخدمة أهواء الساسة، وهذه أخطر طعنة يمكن أن يتلقاها مشروع الدولة المدنية.