كثير من الأفكار ذهبت إلى القول بان ا لوسائط الإعلامية على تنوع وظائفها هي التي أحدثت ما حصل ومازال كذلك في اغلب الدول العربية، ما يسمونه بالثورة، بل وان نظامين قدا سقطا رغم ما كان يشاع عليهما من قوة وفعالية جهازهما الأمني، إذ لا يطعن احد في دورهما في الحفاظ على النظام والنظام العام هنا وهناك، إلا أن وقعت الواقعة فاجتمعت ظروف بعضها حتمي وطبيعي والبعض كان مفتعلا وموجها ومقصودا... دور الوسائط الإعلامية الجديدة..إلى أين؟ إن ما يدعو إلى الحيرة والخوف والذي يستلزم على الفور مراجعة الذات اليوم قبل غد، ما أصبح عليه عقل شبابنا العربي هنا وهناك بصفة خاصة ، والمواطن بصفة عامة من خلال تعامله مع مستجدات العصر في ميدان الاتصال، وما عرفه هذا القطاع من إبداعات واختراعات من جهة، واستنجاده بأفكار وفلسفات بالأمس كانت تمثل الفكر الرجعي، بل الكفر والخطيئة بعينها، ويناصبها العدا... لا شك بان الرأي العام العربي إلا القليل منه كان ضحية إعلام كاذبة وعملية توظيف وتدليس لم يسبق أن عرفها في زمان، فتحول شارعنا بقدرة قادر فاعل من مشرقه إلى مغربه، يطالب برحيل أنظمته، ومتعطش للتغيير، ويطعنها في الصميم، ويرميها بكل أوصاف القبح والإهانة وحتى الخيانة في بعض الأحيان، وتطابقت في ذلك وجهات نظرها في المناداة بإسقاط أنظمة دولها، مع رأي الأجنبي عدو الأمس نفسه الذي لم يترك الفرصة لتمر، بل وبتأييد وبمباركة الولاياتالمتحدة الأميركية والدول الغربية الاستعمارية التي أصبحت تطل علينا كل يوم بالتدخل السافر في الشأن العربي الداخلي، هذا التطابق أصبح معادلة غريبة تحتاج إلى تحليل والى إجابة واضحة، والبحث عن معرفة المعطيات والأوضاع التي تغيرت والأسباب التي توفرت، وسّر نسيان الوضع والعلاقة التي كانت ذات يوم مضبوطة وقائمة على النقيض تماما عما تحقق اليوم، فالأجيال السابقة وخاصة منها جيل الستينات والسبعينات، كانت ترى التجسيد الأمثل للإمبريالية والصهيونية إنما صورته تكمن في غطرسة الولاياتالمتحدة الأميركية والدول الغربية الاستعمارية القديمة في ما كرسته، من ظلم، واحتقار، وعبودية، وتجهيل، وتجويع والقائمة طويلة...فأين نحن من ذلك...؟ وهل تبديل الثوب أو تنظيفه من دماء الجريمة ينطلي أمره، على أبناء جيل الاستقلال؟هل آفة النسيان قد أصابت الذاكرة العربية؟ إن محاولة الفلاة من الجرائم البشعة التي ذهب ضحيتها كثير من أبناء الشعب العربي قد وجدت الأرض الخصبة بلا شك في الصعوبة التي تمر بها مجتمعات الدول العربية وأنظمتهما من خلال تخلفها الحضاري ومن آثار تصدير الغرب للأزمة الاقتصادية التي تنخر هيكل نظامه الاقتصادي الرأسمالي منذ سنوات. إن ما صاحب العولمة من صعوبات في التأقلم مع :عولمة الاقتصاد، والقيم والحقوق والواجبات ، والديمقراطية الغربية وحقوق الإنسان، ويضاف إلى هذا العوامل مجتمعة وعلى مستوى النخب الحاكمة ما بدا من تعسف بعض هؤلاء الحكام وتفسخ أنظمتهم وتراكم مظاهر الفساد وطغيان المحسوبية،ومع ذلك فالدول الغربية لم تتحرج من أوضاع هذه الأنظمة بالأمس فنسجت علاقاتها معها وهي على دراية بما يجري ولا تخفيها خافية، بل وقد وفرت المساندة والدعم ما ظهر منه وما بطن، وفي كل الأحوال في مثل هذا المناخ المعتل قد وجدت الدول الغربية ضالتها المنشودة فاستأمنت هذه على مصالحها، بل كانت تنظر فيهم الصديق والحليف، ومنبع الديمقراطية، والاعتدال والرشاد..الخ وبقدرة قادر انقلبت الدول الغربية، على حلفائها وتنكرت لكل ودّ، وأصبحت وصية على جموع المحتجين في الشوارع، والمعتصمين في الساحات، بل ومناصرة لهم في تمردهم عن سلطة بلدانهم، وراعية لقائمة القيم الغربية التي أصبحت المعيار مع الأسف الذي على ضوئه يحاكم المواطن العربي، بل ونخبه مؤسسات دولته ورجالاتها، والذين ما هم إلا أبناء هذا المجتمع نفسه بجميع مكوناته، والذين يفترض فيهم أنهم يمثلون صفوة شعوبهم وما يمتازون به من تكوين، وتدريب، وإخلاص لوظائفهم ووطنهم، ولهم خبرة في تسيير الشأن العام اللهم إلا إذا كان (1+1=3)، في مثل هذه الحالة فعلى الدنيا سلام... إن العمل بنظرية تقاطع المصالح التي طبقها الغرب بذكاء على ما يجري في ديارنا أحجب، بل وغيّب على الكثير منا حقيقة ما يحضر ، وما يصاغ لنا، إن الغرب مدرك تماما بان الأنظمة التي كان بالأمس يدعمها ويراهن عليها لتحقيق خططه في المنطقة، وعلى المحافظة على مصالحه بالدرجة الأولى قد »هرمت« كما يقال..، وأنها قد استهلكت بالتمام ولم يعد ينفع معها أي »سيروم« لذلك لابد من البحث عن قوة أخرى اقدر، كما أن مخابر الدول العظمى لا تكاد تتوقف للنظر في موازين القوى، وان القوى الشعبية الإسلامية الغوغائية على الأبواب إذا ما تحقق لها شرط الديمقراطية المسطحة في الاستحقاقات الانتخابية ، متى شاركت في الحياة الديمقراطية والتنافس على السلطة في بلدانها دون استثناء الخ.. وفي هذا الاتجاه التحضيرات على أشدها في كل من مصر وتونس لتنظيم الصفوف للتحضير للوثبة الفاصلة ولانقضاض على مراكز السلطة في الاستحقاقات القادمة لإشفاء الغليل من المنع والحرمان الذي عانوه ولقوه من الأنظمة المطاح بها أخيرا، عبر ما مضى من زمان والتي كانت آنذاك تمثل العقبة الوحيدة لاستبعاد هذا التيار المتعطش للحكم والسلطة باسم الدين، وأخيرا فتلهفهم لعدم إضاعة الفرصة للمسك بمقاليد السيطرة ولضمان كسب ودّ الرأي العام دفع بهم ذلك إلى إدخال بعض الطمأنينة إلى نفوس العامة المرعبة من تجارب الحكم الديني، والدمار الذي قد ينجر على وصول هذا التيار إلى سدة الحكم، ومسبقا وعلى الملأ قالوا هنا وهناك بأن منهجهم يختلف عن تجربة »الفيس في الجزائر، وحمس في فلسطين«. يا سلام على هذا الرفق بالرعية، وهذا التحايل المفضوح. سقطت دول وليس أنظمة فقط.. إن المواطن العربي الذي هدم الحائط الذي كان يستند إليه ،هو الآن في حيرة من أمره من البناء القادم الذي في حقيقة الأمر لم يتصوره قبل الأحداث، ولم يفكر فيه إلا بعد أن وجد نفسه في الخلاء، إنه غير مطمئن لما ستحمله له الأيام. إن الإحساس بضياع الدولة نفسها أصبح هاجسا ووضعا مخيفا تعيشه الأغلبية من المواطنين هناك بدون استثناء يظهر ذلك جليا من خلال ما يجسده صدقهم وتلقائيتهم في معاناتهم اليومية لما أصبحوا يعانونه يوميا بعد »الثورة..« لا أمن، فقر، تشرد، بطالة، فوضى، لصوصية، انتهاك للأعراض هذا ما ظهر، أما ما بطن فعلمه عند الله. إن مفهوم الدولة في كل الدول العربية تكوينه متشابه، وهو يختلف في فلسفته ونشأته وفي مسعاه عما يسمى بمفهوم الدولة في فلسفة الفكر الغربي على ما نلمح له في حينه. قد يحز في النفس ومن باب التضامن العربي أن مرحلة تاريخية هامة قد طوت صفحاتها في دولتين عزيزتين وتاريخهما النضالي وتآزرهما حكومة وشعبا مع الثورة الجزائرية مسجل بحروف من ذهب في سجلات التاريخ الخالدة، وأن مشروع الحزبين ما طبق منه، وما كان مطروحا كأفاق يبقى مشروعا اجتماعيا بكل المقاييس الوطنية، وأن الحكم الوحيد هو صوت الشعب عندما تزول آثار الحرب الإعلامية الأجنبية وفي مقدمتها الناطقة باللغة العربية التي سلطت على أنظمة الدول العربية القائمة منذ سنوات وبلغت مداها وعدوانيتها مع بداية الاحتجاجات والفوضى وشبه التمرد الذي انتقلت عدواه بين كثير من الدول العربية، وعندما تزول وسائل التزييف والدعاية وأساليب الخداع وتلفيق كل التهم للعبث بعواطف المواطنين وتأليبهم عن كل من تشرف بمسؤولية شعبية أو وظيفية في بلاده فسيكون للحدث حديث، وسيأتي اليوم الذي تبزغ فيه شمس الحقيقة، وحينها ستنقشع وتتصالح الشعوب مع نفسها عن صدق وعلى أسس واضحة لا لبس ولا تدليس ولا وعد، ولا وعيد. إن الكوادر العربية التي تولت الشأن العام في بلدانها بعد رحيل الاستعمار هنا وهناك وفي تعاقب لم تكن بالملائكة ولا بالشياطين، أخطأت وأصابت اجتهدت في وضع مشاريع ومميزات خاصة بمجتمعاتها نجحت في مجالات وفشلت في أخرى، يكون من الجاحدين والناكرين من لا يقر بذلك. لا يختلف اثنان فيما ظهر من تعمير هنا وهناك وحصل من تغيير ايجابي على وجه هذا البلد أو ذاك، وان الدخل القومي للفرد فيها قد تطور وتحسن عما كان عليه، وان الوضعية الاجتماعية للمواطن قد عرفت تحسنا ملموسا، وأن كثيرا من المنظمات الدولية هذه شهادتها، بل وإن هذه الشعوب ونخبها وصل بها الأمر إلى درجة تقديس حكامها، وما أن جرى ما جرى تحولت في حكمها إلى درجة اتهامهم بالخيانة العظمى. إن الانتقال من النقيض إلى النقيض في لمحة من البصر مؤشر على طغيان الجانب العاطفي في موضوع لا يتصور فيه مثل هذه النزوات والانفعالات ذلك أن الموضوع يتعلق بمستقبل وطن ومستقبل أجيال وأمة، وأن التسرع وانتفاء وجه الموضوعية والدقة والانسياق وراء السراب لا يبني الأوطان، وقد يكون المآل تفكيك جغرافية هذا الوطن أو ذاك إقليميا وسياسيا، والبلدان العربية غنية بمثل هذه النكبات وفي مقدمتها ما جرى في جمهورية العراق العظيمة البارحة، وما يجري اليوم للشقيقة ليبيا، وهذا حلم الدول الاستعمارية البارحة واليوم، والتي تحوّلت إلى نعم الصديق. وكان في مثل هذه الأحوال ولتجنب التفتيت والتقسيم ، والاستباحة الأجنبية للأرض والعرض وللسيادة والثروة البترولية التي تعتبر المحرك الرئيسي للدول الغربية المتسترة تحت ذريعة حماية المواطنين من بطش حكامهم، ونشر الديمقراطية، فالأجدر تجنب الإستقواء والاستنجاد بالأجنبي من أجل تأمين كرسي الحكم، لقد انخدع نشطاء الجمعيات الدولية الحقوقية والإنسانية. من أبناء الوطن باعتقادهم أنهم في الطريق الصحيح، وفي حقيقة الأمر ما هم إلا ضحايا تقنيات وحيل الجوسسة العالمية.. فدخلوا في حلقة المتآمرين على شعوبهم وأوطانهم وجميعا شاركوا في بيع الغالي النفيس وتقديمه على طبق من ذهب لعدو الأمس، صديق اليوم.. لقد كان عليهم أن يبتعدوا على بؤر الفتن التي تسببوا فيها، وكان المطلوب الحفاظ على ما هو بين الأيدي من أرض، ودولة، وثروات كأولوية الأولويات ولو كان ذلك في ظل ما يقال هنا وهناك من إقصاء وتهميش، وفساد، واستبداد تسبب فيه الحكام.. إن نهج الإصلاح أو التغيير لا يتحقق بما يسمى بالثورات أو العنف أو حتى بالانقلاب العسكري إن الدلائل والبوادر اليوم تحمل أكثر من حقيقة من أن الباب أصبح مفتوحا على المجهول، وأن ما تحمله تباشير الفوضى أخطر وأعظم. لقد كان وراء تكوين ما يسمى بالدولة الوطنية بعد رحيل الاستعمار أحزاب وطنية كان لها شرف طرد الاستعمار ومحاولة بناء مشروع مجتمع لدولها، تاريخها البطولي لا تمحيه الأحداث أو الهزات أو غضب الشعوب عندما تثور في لحظة معينة نتيجة ظروف وعوامل معينة بعضها داخلي والجانب الأكبر فيها خارجي.. عولمة غيّرت، بل وفرضت كثيرا من المفاهيم والرؤى كان المستفيد منها الدول القوية اقتصاديا وعلميا، يضاف إلى ذلك التفوّق الإعلامي والثقافي الغربي غزا الشعوب العربية في عقر دارها، أزمة اقتصادية حادة تسبب فيها النظام الرأسمالي الغربي، وهو الآن بصدد تصديرها إلى دول العالم الثالث وقي طليعتهم الدول العربية، إن هذا وذاك ولّد القنوط والشعور باليأس، وعدم القدرة على الندية في التعامل والمواكبة، كل ذلك مجتمعا وغيره انعكس سلبا على علاقة المواطن العربي بنظمه السياسية، ويضاف إلى ذلك إلى خنجرا لإعلام العربي المتمثل في بعض القنوات التي ظهرت في المدة الأخيرة والتي كان يعلق عليها المشاهد العربي لأن تكون أداة تبليغ مشرف نحو العالم الآخر كأداة دفاع شرعية عن وجوده في هذا العالم المضطرب وحقه في الدفاع عن مصالحه وثقافته وخصوصياته ورفع الحيف عليه، وإذ الذي حصل أن تحولت هذه القنوات بقدرة قادر إلى أداة تثقيف سلبي للمشاهد العربي توجهه للتمرد على سلطته وتزرع الكراهية بين الحاكم والمحكوم من خلال تشجيع بث مغالطات كل مارق، أو متمرد، أو فار من عدالة بلده، أو مغرر به متعسكر ومجند في منظمة من المنظمات الدولية المتخصصة في الضغوط وخلق الفوضى وترويج الإشاعات ولي ذراع الأنظمة العربية لترويضها حتى تكون طيعة وجاهزة للركوب من الدول الاستعمارية التي مازال يراودها الحنين إلى الفردوس المفقود... إن خداع المواطن العربي بمقارنة وضعه الاقتصادي والاجتماعي بمقارنة أوضاع مواطني دول عريقة في الوجود والتاريخ والحضارة والتقدم والتمكن العلمي والديمقراطية، في كل ذلك نوع من العبث، أو نية مبيتة للمغالطة والتشويش، والدفع بعجلة الفوضى الخلاقة إلى الأمام، بمفهوم الرجوع إلى النظام العشائري والإقطاعي والى عصور ما قبل القرون الوسطى، ذلك آن مفهوم الدولة التي أنشأها الفكر الغربي كنموذج لنظام حياته يعبر عن طموحاته وأفكاره، ويجد فيها سنده وحمايته وعلى جغرافيتها تتجسد حقوقه وواجباته ورفاهيته إلخ.. إن الفلسفة التي تقوم عليها الدولة بالمفهوم الغربي والمتمثلة في ما دعا إليه فقهاء وفلاسفة من أمثال: تواس هوبز، جون لوك، وجون جاك روسو، وهيجل الخ..غائبة اليوم عن العقل العربي. إن خلفية المنشأ للدولة العصرية هذه، لا محل له من الإعراب في قاموس شعوبنا ومن ثم فالإشكالية وحجر الأساس يحتاج إلى إعادة النظر.......وللحديث بقية.