إلى وقت قريب كان الحديث عن إقرار زيادات جديدة في الأجر الوطني الأدنى الوطني المضمون أمرا غير مطروح البتة سواء لدى الحكومة أو الشريك الاجتماعي ممثلا في الاتحاد العام لمال الجزائريين، وهو ما ينطبق تماما على ما يجري التحضير له من تدابير استثنائية لفائدة المتقاعدين. ولذلك فإن التغيّر الحاصل على هذين المستويين يكشف بوضوح أن التطورات التي عرفتها البلاد منذ بداية 2011 هي التي دفعت السلطات العمومية إلى مراجعة موقفها. ليس هناك ما يُثير اهتمام الجزائريين في اجتماع الثلاثية المقرّر بعد يومين أكثر من نسبة الزيادات التي سيتم اعتمادها في الأجر الوطني الأدنى المضمون توافق بين الأطراف المشاركة فيه، بحيث يترقب ما يزيد عن 5 ملايين أجير أن يتم الاتفاق على قيمة من شأنها تحسين واقعهم اليومي بشكل يسمح باستدراك فارق الزيادة في الأسعار. ولكن في المقابل هناك حالة من التشاؤم من أن تكون الزيادات الجديدة على شاكلة ما عرفته الأجور خلال السنوات الماضية خصوصا وأن الوزير الأول أحمد أويحيى معروف باعتراضه الدائم لمسألة رفع الأجور. وبالموازاة مع ذلك تسود حالة من التفاؤل الممزوجة بنوع من الحذر لدى الطبقة الشغيلة، ويعود ذلك بالأساس إلى إدراك غالبية العمال والموظفين بأن الزيادة في الأجر الأدنى الوطني المضمون ستُعتمد ب »قرار سياسي« بعيدا عن كواليس لقاء هذا الخميس، أي أن السلطات العمومية تكون قد حدّدت مسبقا سقفا معيّنا من الزيادات كونها هي الجهة الأولى التي تتحمّل تبعات هذا القرار على اعتبار أنه سيُطبّق بدرجة أولى على عمال الوظيف العمومي. وقد حملت التصريحات الأخيرة التي أطلقها وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي مؤشرات إيجابية على إمكانية أن تكون الزيادات في مستوى تطلعات العمال على اختلاف مستوياتهم، ولو أنه فهم من كلام الطيب لوح أن الأولوية سوف ستُعطى كذلك إلى شريحة أخرى تحظى باهتمام خاص من طرف رئيس الجمهورية ويتعلق الأمر بالمتقاعدين الذين يعتبرون الأكثر تضرّرا من ارتفاع أسعار أغلب المواد ذات الاستهلاك الواسع في الأشهر القليلة الماضية. وبعيدا عن التكهنات واستباق الحديث النتائج، ليس هناك ما يؤشر بوضوح إلى استعداد الحكومة رفع الأجر الأدنى إلى عتبة 25 ألف دينار مثلما سبق وأن اقترحته المركزية النقابية اعتمادا على نتائج دراسة ميدانية قامت بها قبل قرابة العامين، ومع ذلك فإن القرار المفاجئ بإدراج هذا الملف ضمن جدول أعمال الثلاثية المقبلة من شأنه أن يكون مقدمة ستنتهي بإعلان »أخبار سارة« في الأيام القليلة المقبلة. وعموما فإن اللمسات السياسية الإيجابية تبدو واضحة هذه المرة في اجتماع الثلاثية، فالحراك الاجتماعي الذي يُميّزه التذمّر، وكذا الإصلاحات التي يجري التحضير لها على أكثر من مستوى، كلها أمور دفعت السلطات العليا في البلاد إلى محاولة الاستثمار في اجتماع هذا الخميس من أجل بعث رسالات تطمين للجزائريين على وجود إرادة سياسية في سبيل التكفل ب »المطالب المشروعة« للعمال وتحسين القدرة الشرائية للمواطن، ولذلك فإن الثلاثية من شأنها أن تدفع نحو ضمان مزيد من الهدوء الاجتماعي. ومن خلال هذه المعطيات فإن الحكومة أدركت، وبتوجيهات مباشرة من رئيس الجمهورية، بأنه حان الوقت لاتخاذ إجراءات ملموسة في سبيل تحسين القدرة الشرائية للجزائريين بعد أن تمّ اعتماد تدابير لدعم المؤسسات العمومية والخاصة من خلال ما خرجت به الثلاثية الاقتصادية نهاية شهر ماي الماضي، وعليه فإن موعد نهاية الأسبوع الجاري سيكون في الواقع استكمالا لكل الخطوات التي تم الشروع فيها منذ اجتماع مجلس الوزراء في الثاني من شهر فيفري 2011.