رغم أن تساؤلات كثيرة لا تزال تُطرح بشأن طبيعة الخارطة السياسية المقبلة للجزائر بمجرّد اعتماد أحزاب جديدة، إلا أن مؤشرات أولية بدأت تظهر في الأفق، وهي في الواقع تُعطي انطباعا سيئا عن المضامين التي يمكن أن تأتي بها هذه »التيارات الجديدة« التي لم يعارض رئيس الجمهورية قدومها إذا كانت قادرة على إثبات نفسها عن طريق الصندوق الانتخابي. من الطبيعي تفهّم موقف وانشغال الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، ومن ورائه كل من ينتمي إلى الأفلان سواء كانوا قيادات أو مناضلين، من زحف الكثير من الأحزاب السياسية جديدة وتهافت وجوه »قديمة-جديدة« على مقر وزارة الداخلية من أجل إيداع ملفات طلب الاعتماد أو سحب الاستمارات المتعلقة بهذه العملية، لأن لهذا الانشغال ما يُبرّره من منطلق حرص من يسعى إلى تأسيسها على استغلال تسمية »الجبهة« من أجل الاستثمار السياسي. يكفي التأكيد على بعض التسميات التي يبدو أنها أرادت أن تستثمر في اسم جبهة التحرير الوطني على غرار »جبهة المستقبل« التي يترأسها عبد العزيز بلعيد، القيادي السابق في الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية، إلى جانب »الجبهة الوطنية للحريات« التي يقودها محمد زرقي المنشق عن حزب »الجبهة الوطنية الجزائرية«، إضافة إلى »جبهة الجزائرالجديدة« التي أسسها الأمين العام السابق لحركة الإصلاح، جمال بن عبد السلام، وكذلك »جبهة التغيير الوطني« التي يتزعمها عبد المجيد مناصرة بعد أن خرج عن بيت طاعة حركة مجتمع السلم. وفي انتظار ما ستكشف عنها قوائم وزارة الداخلية من تسميات وعناوين أخرى في المستقبل المنظور، لا يُستبعد أن تكون »الجبهة« حاضرة بقوة في خارطة الأحزاب القادمة، وهو ما يدفع إلى طرح الكثير من علامات الاستفهام حول سرّ هذا »التعلّق«، ما إذا كان ذلك استهدافا لجبهة التحرير الوطني بطريقة جديدة، أم أنه استفزاز أو حتى لعب على وتر »الأفلان« لحصد الأصوات »الجبهوية« في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. الثابت أن اللجوء إلى استغلال »الجبهة« والأخذ بها تسمية مفضلة للأحزاب الجديدة قيد التأسيس يعطي الانطباع بأنه لا يُمكن وصفه سوى ب »محاولة التعدّي على الأفلان« والضحك على أذقان الجزائريين مثلما حصل في مناسبات عديدة سابقا، لأن أصحاب هذه التشكيلات المنتظر حصولها على ترخيص بالنشاط يحاولون اللعب على وتر جهل الكثير من الجزائريين التفريق بين التسميات في أوراق الاقتراع بما يدرّ عليها »أرباحا انتخابية« قد تكون نتيجتها حصد مقاعد في المجالس المنتخبة المقبلة أو حتى حجز مكان لها في قبة البرلمان على غرار ما حصل مع »الأفانا« في 2007. من كل هذه المعطيات يُصبح الانشغال الذي طرحه الأمين العام للأفلان في أكثر من مناسبة جديرا بالتفهّم على أساس أن المطلوب في التعدّدية الحقيقة أن تستند الأحزاب إلى برامج تحمل أفكارا وبدائل، بل مشاريع مجتمعية يُمكن من خلالها إقناع الناخبين من جهة وإقناع المواطنين بشكل يدفعهم دفعا نحو الانخراط في صفوف هذه التشكيلات قناعة، أما أن تقتصر العملية بمجرّد استنساخ تسميات من الحزب العتيد فهذا ما سوف لن ينفع التعدّدية ولا يخدم الممارسة السياسة في الجزائر في شيء. وبهذا المفهوم فإن »جبهة« التحرير الوطني تحوّلت إلى برامج كل الأحزاب، ليس فقط من حيث استهدافها باعتبارها قوة سياسية أولى في البلاد وإنما أيضا محاولة ممن يهاجمونها القفز على رصيدها وتاريخها، ولذلك فإن المطلوب هو الحرص على ألا تكون الساحة السياسة بعد التشريعيات المقبلة مجرّد تفريخ حزبي وديكور لا يكرّس التغيّر المأمول وحينها يُصبح المثل الشعبي القائل: »كمشة نحل وشكارة ذبان« عين الصواب.