تمثل تشريعيات العاشر ماي القادم تحديا واختبارا حقيقيا للتجربة السياسية في الجزائر وأهم ملامح هذا الرهان المصيري هو مدى فاعلية وتأثير المشاركة السياسية للمرأة في هذه الاستحقاقات الانتخابية، وإذا كانت قضية أهمية البرلمان القادم أمرا محسوما، فإن تفاصيل محددة هي التي ستكون المعيار الأهم في الحكم على نضج وعمق التحول الديمقراطي الهادئ والسلمي الذي تراهن عليه الجزائر، وفي صلب هذه التفاصيل مدى وشكل مساهمة المرأة في الانتخابات القادمة ، حتى لا تتكرر تجارب بعض دول الجوار حين كانت المرأة في الصفوف الأولى للنضال ضد بعض الأنظمة الديكتاتورية وبعد حدوث التحول السياسي كانت المرأة أولى ضحايا هذه »الديمقراطيات الوليدة«. قطعا إن قضية مشاركة المرأة في الحياة السياسية هي بالأساس نتاج تراكم فكري وثقافي واجتماعي وسياسي، وبالتالي لا يمكن أن نرهن نجاح المرأة الجزائرية في الوصول إلى مشاركة سياسية فاعلة ومؤثرة فقط بتوفر ارادة سياسية عليا واضحة وصريحة فيما يتعلق بهذا الموضوع ، بل العكس هو الصحيح ربما تكون هذه المرحلة والانتخابات القادمة هي خطوة البداية فقط في مشروع طويل يحتاج هذه المرة إلى نضال حقيقي ونفس طويل للوصول إلى تواجد مؤثر وفاعل للمرأة في الحياة السياسية، وذلك عن طريق استثمار هذا التوجه العام في المنطقة نحو المزيد من الانفتاح والتحول السياسي للوصول إلى مجتمع متوازن ومتزن تؤدي فيه كافة فئاته الاجتماعية أدوارها المنوطة بها من دون اقصاء أو تهميش، وأيضا من دون مزايدة أو استغلال لقضايا جوهرية ومصيرية من قبيل دور المرأة في التحول الديمقراطي الحقيقي والسلمي. وإذا كان المشهد السياسي العام في الجزائر يتيح مساحة من التفاؤل والأمل بحدوث تحولات جدية في البنية السسيوثقافية، على الأقل في الجانب السياسي حاليا على خلفية المشاركة الكمية والنوعية للمرأة الجزائرية في الانتخابات التشريعية القادمة، اذ تحصي وزارة الداخلية أكثر من سبعة آلاف امرأة ضمنت مشاركتها في الانتخابات القادمة ، إلا أن ذلك لا يمنع من ضرورة التنويه لبعض المحاذير التي قد تعيق تطور واستفادة المرأة في الجزائر من هذا المخاض السياسي الذي يبدو في ظاهره وكأنه يفسح المجال لدور أوسع وأكبر للمرأة في الحياة السياسية. أولى هذه المحاذير التي يجب التوقف عندها وهو أن المجتمع الجزائري ليس بمعزل عن المزاج العام السائد في العديد من البلدان العربية والإسلامية وهو أنه هناك تيارات فكرية وسياسية واجتماعية في الجزائر بعضها تحت عنوان أنهم محافظين وبعضهم متشدد والبعض الآخر عن خلفية سياسية وفكرية وكل هذه التيارات والفئات قد تكون معطلة أو معيقة لنجاح التجربة السياسية في الجزائر من خلال الترويج لأطروحات وبرامج لا تعتقد بأي دور جدي للمرأة في الحياة السياسية كما هو الحال في بعض البلدان العربية التي شهدت انتفاضات وثورات على أنظمتها السياسية فجاء إلى البرلمان والحكم تيارات سياسية كان أولى ضحاياها المرأة. يضاف إلى ذلك هو أن التركيبة السياسية والحزبية في الجزائر أغلبها من الحرس القديم وقد رأينا كيف كان يتسابق أغلب قادة الأحزاب السياسية في كل خرجاتهم وخطاباتهم الأخيرة إلى التأكيد والتنويه على نقطة واحدة ، وهي عدد النساء في قوائمه الانتخابية وكأنهم بين عشية وضحاها أصبح الجميع يؤمن بأهمية وحساسية دور المرأة في أي تحول اجتماعي وسياسي تشهده البلاد وهي كلها مؤشرات تستدعي الخوف وعدم الثقة في خطابات النخب السياسية والحزبية في الجزائر الذين تعود أغلبهم على النفاق السياسي والموسمية والبضائعية في برامجهم وأفكارهم. والأهم من هذا كله أن الاستحقاقات القادمة بقدر ما هي رهان واختبار للسلطة والطبقة السياسية والمجتمع السياسي بشكل عام ، إلا أنها وفي المقام الأول تعتبرا تحديا جديا للمرأة الجزائرية في حد ذاتها وستكون مشاركة المرأة في الحملات الانتخابية والدعاية السياسية والاحتكاك بالرأي العام كلها مشاهد كاشفة لنضج التجربة السياسية لدى المرأة الجزائرية ومدى قدرتها على استثمار هذه اللحظة السياسية الفارقة في المنطقة بشكل عام وفي الجزائر تحديدا وستكون هذه الانتخابات أيضا فرصة لاختبار مدى قدرة الحركة النسائية على تقديم قيادات ونماذج سياسية تثرى الحياة السياسية في الجزائر التي ظلت لسنوات طوال تحصي أسماء سياسية نسائية لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.