بعد أقل من شهر على نهاية تشريعيات العاشر ماي، وبالنظر إلى الصخب والضجيج السياسي والإعلامي الذي آثاره الغاضبون أو المعترضون على نتائجها والطاعنون في شرعيتها تبدو الساحة السياسية في الجزائر قد بدأت تشهد فرزا سياسيا سيكون له أثره وتداعياته على المدى القريب والمتوسط، ومع انكشاف ضعف الأداء السياسي لكل الأحزاب والشخصيات التي دقت طبول الحرب باكرا طعنا في نزاهة الانتخابات وشرعية البرلمان الجديد من دون أن تجرؤ أو تنجح في تقديم دليلا واحدا يجعل من دعاويها وادعاءاتها ما يستحق الذكر، انتهى الأمر بهذا الفصيل من المعارضة محشورا في الزاوية، فاقدا لأي مصداقية تجعل منه شريكا فاعلا أو مهما في الاستحقاقات السياسية القادمة وعلى رأسها معركة التعديلات الدستورية. غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية مباشرة خرج إلى وسائل الإعلام قادة تكتل »الجزائر الخضراء« بتصريحات نارية تجاه العملية الانتخابية برمتها، ولم تسلم من سهامهم لا السلطة ولا الأحزاب الفاعلة على الساحة، وبدت تهديدات عكوشي ومقري تجاه السلطة وكأنها نذر معركة سياسية دشنها هذا التكتل ولن تنتهي إلا بجمع كل أطياف المعارضة في تكتل واحد بهدف الضغط داخل البرلمان وإحراج السلطة سياسيا وإعلاميا، وكانت مبادرة مقاطعة البرلمان المنتخب »بدعة« أطلقها تكتل الجزائر الخضراء أولا وتلقفتها بعض الأحزاب الأخرى مثل جبهات تواتي وجاب الله ومناصرة ومضى معهم في الطريق عن قصد أو بدونه بعض التشكيلات حديثة العهد بالعمل السياسي. لكن بعد أيام قليلة بدأت الأمور تأخذ منحى مغايرا داخل حمس، حين تنادى أعضاء مجلس الشورى لاجتماع طارئ قرروا من خلاله العدول عن فكرة مقاطعة البرلمان والانسحاب من الجهاز التنفيذي، وكانت هذه أول ضربة تتلقاها مبادرة مقاطعة البرلمان، ومع ذلك واصل جاب الله وتواتي ومناصرة ومعهم بن بعيبش قيادة حملة شرسة لإنجاح »بدعة أخرى«، وهي تنصيب برلمان شعبي أو مواز في نفس توقيت تنصيب البرلمان الجديد. ولقد بدا واضحا يومها أن أصحاب هذه »الخرجة« لم يكونوا على دراية بما أقحموا أنفسهم فيه، وهو ما استدعى تدخل وزير الداخلية ليضع هذه الأحزاب أمام حقائق الأمور وينبه إلى أن الحديث عن برلمان مواز أو شعبي هو مساس بدولة القانون، وكان انسحاب تكتل الجزائر الخضراء ورفض الأفافاس والعمال الالتحاق بها أصلا ضربة قاسمة لدعاة مقاطعة البرلمان وتأسيس برلمان شعبي. ومع تسارع الأحداث وزيادة حالة التململ والانشقاق داخل الأحزاب التي لوحت بتصعيد المعارضة تجاه السلطة وعدم الاعتراف بالبرلمان بدأت تتكشف أمام الرأي العام حقيقة دامغة، وهي أن هذه الأحزاب التي رفعت صوتها إلى درجة الصخب بعد إعلان نتائج الانتخابات مباشرة رافضة وطاعنة في شرعيتها لا تملك دليلا واحدا تستطيع أن تقدمه لإثبات دعاويها بوجود تزوير في الانتخابات، والأخطر من ذلك أن هذه المعارضة كشفت عن تواضع مخيف في الثقافة السياسية، وربما هذا ما دفع بحزب مثل جبهة القوى الاشتراكية إلى النأي بنفسه بعيدا عن هذه المعارضة التي لم تستطع أن تثبت أمام أنصارها أولا أنها جادة ورصينة. ولعلّ ما ساهم في اكتمال تفاصيل المشهد هو تقرير لجنة صديقي الذي خرج هو الآخر إلى وسائل الإعلام عقب فشل أعضاء لجنته في التوافق على صيغة موحدة على التقرير النهائي بأغرب تصريح يمكن أن يطلقه سياسي محترف، حتى لا نقول محترم..بالحرف قال صديقي »الانتخابات فاقدة للمصداقية وليست شرعية..لكنها ليست مزورة..«. إذا كان هذا هو حال معارضة تفتعل المعارك والضجيج وتخرج بتصريحات غريبة وتفشل في تقديم دليلا أو طرحا أو رأيا واحدا جادا يدعو للثقة بأن وجودها في البرلمان والحياة السياسية بشكل عام يمكن أن يكون ذي جدوى، فإن الحديث عن دور فاعل ومؤثر لهذا النوع من المعارضة في المواعيد والاستحقاقات السياسية المقبلة ومنها معركة التعديلات الدستورية يستحق المراجعة وإعادة النظر.