رغم أن نتائج التشريعيات الأخيرة، التي فاز بها حزب جبهة التحرير الوطني، لا تبشر بأي تغيير يطال توزيع التوازنات داخل ما يعرف ب''النخب الحاكمة''، إلا أنها بعثت بتبعات إلى معسكر المعارضة قد تزيد من تفريق صفوفها، بعدما أثبتت أحزاب من فريق ''الخاسرين'' في التشريعيات عدم قدرتهم على التوصل إلى حد أدنى من الاتفاق للمرحلة المقبلة. حتى وإن حاولت أحزاب من فريق ''الرافضين'' لنتائج التشريعيات بدعوى ''التزوير''، تنسيق مواقفها على أمل تشكيل ''تكتل معارض'' يقف أمام الغالبية المطلقة لمقاعد البرلمان التي حاز عليها حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، إلا أن المعطيات التي أبانت عنها الساحة السياسية، أسبوعا واحدا بعد تشريعيات العاشر ماي، لا تبشر بتحالف ''قوى المعارضة'' على مستوى السلوك السياسي، أو على الأقل على مستوى الخطاب، ما يوحي بأن أحزاب المعارضة تتجه مرة أخرى لتكرار نفسها، وهي التي أحدثت في كل مرة ''جعجة دون طحين'' لم تغير في المشهد السياسي شيئا. وبتثبيت حركة مجتمع السلم، الضلع الأهم في ''تكتل الجزائر الخضراء''، مشاركتها في البرلمان الجديد، وما يعنيه ذلك بالنسبة لحليفيها النهضة والإصلاح، ورفض حزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية وعهد 54 والحركة الشعبية الجزائرية الدعوة لمقاطعة البرلمان أو حتى مقاطعة الجلسات، تكون الساحة السياسية قد عادت إلى سابق عهدها، أي إلى ما قبل التشريعيات الأخيرة، عدا متغير بسيط تروج فيه حركة مجتمع السلم لخروجها للمعارضة، بعد أن تبين لها ''زيف'' فكرة المشاركة في ما سمته هي بنفسها إخراج البلاد من عنق المرحلة الانتقالية. وإن كان يبدو عدد الأحزاب الداعية لمقاطعة البرلمان، أو مقاطعة جلساته، كبيرا (قرابة 20 حزبا)، غير أن السلطة لا تنفك عن إعطاء انطباع بأنها في راحة من أمرها إزاء هذا التهديد، بعد إعلان كبرى التشكيلات، بحساب مقاعد البرلمان، لحاقها بالعهدة التشريعية الجديدة، بقي في وسع الأحزاب الرافضة لتزكية البرلمان ''ورقة رمزية'' حدودها محلية داخلية لو اتفقت على عدم المشاركة نهائيا في البرلمان وليس الاكتفاء ب''مقاطعة الجلسات''، بمعنى ''إجازة'' الاستفادة من ''ريع'' الهيئة التشريعية، و''تحريم'' مشاركة النواب في جلساته. وفي الجهة المقابلة، تكون السلطة قد كسبت معركة ''الوقت'' في مناورة رياح ''الربيع العربي''، وحققت مكسبا ثانيا بإنهاء معركة الدستور القادم للبلاد، بترسيم خيارات لا تخرج عن نظام ''رئاسي أو شبه رئاسي أو نصف رئاسي''، وإقصاء نهائي لفكرة النظام البرلماني، وثالثا، مكسب خارجي، بعد أن منحتها الانتخابات، رغم الانتقادات الداخلية، مشروعية جديدة لدى الحلفاء الغربيين الذين سكنهم الشك والحرج في تعاملاتهم مع الجزائر منذ سقوط النظام التونسي ولحاق أنظمة عربية أخرى.