أسبوع واحد فقط و سنودع هذا الضيف العزيز الذي تعودت أمهاتنا و جداتنا على القول بأنه يأتي بخيراته و يأخذها معه بمجرد انقضائه ليتركنا كما وجدنا.. لكن باستثناء القفف و الأكياس البلاستيكية التي لازمت الكثير من الصائمين فأصبحت أكثر من ديكور خلال اليوميات الرمضانية و الوقوف في طوابير طويلة أمام المحلات لشراء أي شيء و بأي ثمن و الوحم الذي أصاب الجنسين على حد سواء من غير حمل فأصبح البحث عن" البوزلوف " و الخضر و الفواكه غير الموسمية أكثر من شهوة ونشر الأزواج غسيلهم أمام الأهل و الجيران لتصل أخبارهم إلى المحاكم بسبب علبة طماطم أو قطعة من اللحم المجمد ماذا فعلنا في هذا الشهر غير الأكل حتى التخمة و السهر حتى طلوع الفجر ليستيقظ البعض بعد منتصف النهار و لسان حالهم يردد " راني صايم ...غلبني رمضان"... الجزائريون خلال هذا الشهر الفضيل تعودوا من باب العادة ليس إلا تجريد هذه المناسبة الدينية العظيمة من جانبها الروحاني و معانيها السامية و أهدافها النبيلة فبات من شبه المستحيل أن يفتح أحدا بيته إلى عابر سبيل أو شخص معوز من غير الأقارب يدعوه على مائدة الإفطار و لسان حاله يردد كما كان يردد الأولون" سنكسب فيه ثوابا " و حتى دعوة الأقارب في مثل هذا الشهر أصبح يحسب لها ألف حساب نظرا للثقب الذي قد تحدثه في الميزانية لتتراجع بذلك كل معاني التضامن و التراحم التي كانت عنوان صفات أبائنا و أجدادنا و الذي كان بعضهم يفطر على الماء و الخبز لإكرام الضيف على طريقة حاتم الطائي و لا يخلد الواحد منهم للنوم و لا يخلد الواحد منهم إلى النوم الا بعد أن يكون قد زار القريب و البعيد للاطمئنان على حالهم و أحوالهم بينما نحن الآن نأكل حتى التخمة وترمى نصف المأكولات في المزابل بينما اقرب المقربين منا افطروا على حساء عدس في أحسن الحالات أو قليل من الحليب في أسواها و نحن ندعو الله أن يتقبل ا صيامنا و قيامنا. لغة الأنانية التي باتت تسيرنا وتتحكم فينا قتلت فينا صلة الرحم والتراحم و التالف فلم يعد البعض يحس بمعاناة الآخرين حتى لو وقعت عيونهم على هؤلاء وهم يقلبون أكياس القمامات بحثا عن ما فاض من الموائد شعارهم شعار جحا" تخطي راسي أو أنا مارانيش الدولة" لتترك مهمة التضامن في كل صورها للبلديات و وزارة التضامن و بعض الجمعيات التي تنظم موائد الرحمة و تمن على الصائمين بتعليق لا فتات عريضة يكتب عليها اسم" السبنسور" إذ لا ينقص إلا أن يقوم الصائمون شاكرين مقبلين أيدي من أطعموهم و أحسنوا إليهم فتفقد الصدقة كل معانيها ما دام المتصدق الذي يشهر بعمله الخيري يطمع في شكر عاجل و حسابات أخرى بعيدة الأجل . لكن ماذا لو تغيرت العقليات و عدنا لما كان عليه أجدادنا" فنفرمل" من وحمنا الرمضاني و استهلاكنا غير العقلاني و لهثنا وراء زلابية بوفاريك و سمك بوهارون و" شربات" البليدة و نرجع و الرجوع الى الأصل فضيلة الى معاني التضامن فتحل زيارات الأقارب محل التردد على الأسواق و الفضاءات التجارية وتكون مائدة رمضان بدون نكهة في غياب الضيوف ولا تحلى سهرات رمضان إلا والمساجد عامرة بالمصليين ... قد يبدو الأمر صعبا بعض الشيء لكن ماذا لو تحقق الحلم ؟