من أغرب ما سمعت من نقاشات داخل البرلمان الجزائري الذي " تعزز نوابه " مؤخرا بزيادات جد معتبرة، لا تقل عن 30 مليون سنتيم للشهر الواحد، هو تطاول أحد النواب على " رقم رمز " جدا بالنسبة للجزائر، وهو عدد الشهداء البالغ تعدادهم 1.5 مليون شهيد خلال سبع سنوات فقط. هذا العدد لم يطعن فيه حتى المؤرخون الفرنسيون ، ولا المؤرخون العرب، ناهيك عن المؤرخين الجزائريين، وتعرف الجزائر اليوم في كل دول العالم ببلد المليون شهيد. ويعرف الجزائري اليوم بأنه من بلد المليون شهيد. لم يسلم أي شيء لم يتم الطعن فيه من أمثال هؤلاء النواب، طعنوا في اللغة العربية، وفي الدين الإسلامي، وطعنوا في الهوية الجزائرية، ودعوا إلى الهوية المتوسطية، وطعنوا في عدد الشهداء. حتى أن أحدهم وهو نفس الشخص الذي طعن في عدد الشهداء، قاطع مرة أحد النواب الإسلاميين لما ذكر إسم الشهيد العقيد عميروش ، بشكل عنجهي " لا تذكر اسم والدي " ؟ ! إن شهداء الجزائر هم شهداء جميع الجزائريين ، وليسوا حكرا على منطقة دون أخرى، أو على عائلة دون أخرى، ورموز الجزائر هم رمز لجميع الجزائريين لا فرق بين هذا وذاك. إن الطعن في الشهداء يتزامن مع مسار آخر مواز في نغم متناسق إنه نسق الأقدام السوداء الذين راحوا يطالبون بحقهم في الأملاك التي اغتصبوها في الحقبة الإستعمارية ، واسترجعتها الثورة لأصحاب الحق. ويسير بتناغم مع أفكار يبثها المتعاطفون مع الحركى . منذ مطلع " عهد الديمقراطية " ، لم يبق أي شيء لم يتم الطعن فيه، حتى الشهداء الذين لولاهم لما جلس أمثال هذا النائب تحت قبة البرلمان يشرعون للناس وللعباد والبلاد ويتقاضون أزيد من 4 ألاف دولار للشهر. وبفضل 1.5 مليون شهيد، امتلك مثله " الحصانة " التي تمنع محاكمته بتهمة المساس برمز من رموز الدولة الذي يعد من قلائل الرموز التي عليها إجماع وطني. والحقيقة أن تعداد شهداء الثورة يتجاوز مليون ونصف المليون شهيد، فكل من مات مرضا أو جوعا أو مجاهدا أو تحت التعذيب أو غيرها يعد شهيدا، ومنذ عام 1830 حتى 1962 هناك الملايين من الشهداء، بل إن التضحيات الجسام التي قدمها الشهداء والمجاهدون وكل الجزائريين الذي عبروا طيلة قرن ونيف عن رفضهم للمستعمر بأي شكل من الأشكال، تجعل من جميع الجزائريين بمن فيهم الذين ولدوا بعد الإستقلال شهداء. فنحن جميعا شهداء لا نستحق فقط " العلاوات التي تمنح لأراملهم وأبنائهم " والتي تعد فتات مائدة مقارنة بما يقبضه النواب المحترمون الذين تجرؤوا على الطعن في تعداد شهدائنا الأبرار.