يزعم البعض من أصحاب رواتب ال 30 مليون في الشهر أن مليون ونصف مليون شهيد مجرد أكذوبة، ويزعم البعض الآخر ممن ينتمون إلى مناطق لم تعش جحيم الاستدمار الفرنسي بأن »هجوم المغرب على الجزائر سنة 1963 كان مجرد ادعاء من الرئيس السابق أحمد بن بلة لوقف الصراع على السلطة«، بل هناك من ذهب إلى حد سحب صفة الشهيد من العقيدين عميروش وسي الحواس. واتهام كريم بلقاسم بتصفيتهما، أو »جماعة وجدة وغار دي ماو«. وفي الوقت الذي يصرح فيه سكرتير عميروش ببعض المعلومات، ينفي آخر أن يكون لعميروش سكرتير، وإنما يدعي أنه كانت له سكرتيرة. * والتطاول على الثورة صار سمة من يحملون بطاقات أبناء الشهداء أو مجاهدين، وأصبح لأعداء الثورة »جنود جدد« بعد التزام المؤرخين الصمت وتهميش قادة الثورة الأحياء والطعن في الشهداء منهم. * * والحق يقال إن هناك جهات مستفيدة من الشهادات المضللة للثورة، والمشككة في رموزها. * * لم يتحدث أحد عن تصفية المعرّبين الذين التحقوا بالثورة، ولا عن »حروب الردة« التي قادها »ضباط فرنسا« أثناء الثورة وبعد استرجاع السيادة. * * والكل يمتطي الثورة ظنّا منه أن »شهادته المزيفة« أو آراء غيره التي ينسبها إليه قد تدخله التاريخ كبطل في »التضليل الإعلامي«. * * * ...وسادستهم على الأوراق! * * ابتدع مؤتمر الصومام ولاية سادسة على الأوراق، بعد أن كانت الجزائر مقسمة إلى خمس ولايات وهي ولاية الأوراس (الأولى) وولاية الشمال القسنطيني (الثانية) وولاية المنطقة القبائلية (الثالثة) وولاية العاصمة وضواحيها (الرابعة) ولاية الغرب الجزائري (الخامسة) وقد تدخل أحد العقداء لمنع كتاب يتحدث فيه صاحبه عن الولاية السادسة، وهي موجودة على الأوراق ولكنها غير موجودة ميدانيا، لأن صاحب الكتاب لم يدقق في المعلومات المضللة للرأي العام. * * وإذا كانت الولاية السادسة (الصحراء) موجودة على الأوراق فقط، فإن ما يسمى ب(القاعدة الشرقية) كانت موجودة ميدانيا، ولكنها غير موجودة على الأوراق لأنها كانت تابعة للولاية الثانية. * * * ورابعهم »محاكم التفتيش«! * * حين تراكمت المشاكل على الولايات الثالثة والرابعة والأولى، وكثُرت الاغتيالات في أوساط المجاهدين، ومن التحق بالثورة من المعربين، بسبب الحرب النفسية التي قادتها فرنسا ضد الثورة، قرر قادة هذه الولايات الثلاث الاجتماع، في مكان آمن، وكان عميروش بعد عودته من تونس قد قضى ليلة عند العقيد كافي وشعر بالأمن فاقترح عليه الاجتماع بولايته. * * ويبدو أن كافي تفطن إلى خطورة هذا الاجتماع، والمشاركة فيه تعني إعطاء شرعية للتصفيات والاغتيالات، ولهذا بعث ممثله واعتذر، وبالموازاة ذهبت رسالة إلى الحكومة المؤقتة تطلب فتح تحقيق حول ذلك. إلا أن الحكومة المؤقتة التزمت الصمت، وربما السبب هو أنها قبل استلامها طلب الولاية الثانية بفتح تحقيق، كانت قد تورطت مع الجماعة عبر برقية تهنئة لما يقومون به. * * ويبدو أن محاكم التفتيش خلال الثورة بعد استشهاد مصطفى بن بولعيد زعيم أوراس النمامشة، وإلقاء القبض على رابح بيطاط زعيم الولاية الرابعة، وظهور زعيم جديد بالمنطقة القبائلية وهو عبان رمضان وما ينسب إليه من فتح خط »اتصال« مع المفاوض الفرنسي، دون إخطار قيادة الثورة، واستقالة الأمين دباغين وزير الخارجية في حكومة فرحات عباس، ثم الإطاحة بها وتسلم بن يوسف بن خدة قيادتها. والصراع بين الداخل والخارج، و»محاكمة لعموري«، وغيرها... كانت عوامل أساسية لإعادة قراءة الأحداث بعيدا عن الجهوية والأفكار التضليلية. * * وكانت المنطقة القبائلية تستمد قوتها من تركيز فرنسا عليها، سواء بإنشاء إذاعة بالقبائلية، أو دعم الحزب الشيوعي الفرنسي لإنشاء حزب قبائلي منشق عن حزب الشعب. * * ولعل هذا ما جعل مجموعة ال22 تدعم كريم بلقاسم بصفته ممثلا للمنطقة، ويتحول إلى زعيم لها، بعد أن تأكد أن زعماء الثورة اختطفتهم فرنسا في أول فرصة جوية، وكان العقيد عميروش أحد الشخصيات التي تحظى بثقة كريم بلقاسم، بيد أن ظهور عبان رمضان المفاجئ، ومحاولته قيادة الثورة من الداخل، وإضعاف مركز كريم بلقاسم أدى بالعقيد عميروش إلى التحذير منه. والرسائل منشورة في مذكرات الرئيس علي كافي. * * ولما تراجع نفوذ عميروش بالولاية الثالثة، بدأ الحديث عن ميرة عبد الرحمن خليفة له، واستشهاد عبد الرحمن بعد عودته من تونس، وكذلك استشهاد عميروش وسي الحواس، أدى بالصراع إلى »المواجهة« فكانت النهاية متوقعة بالنسبة للزعيم عبان رمضان. * * وأزعم أن »الصراع الخفي« بين ولايتي تيزي وزو وبجاية جعل كريم بلقاسم ينتصر لجماعة تيزي وزو على حساب عبد الرحمن ميرة الذي لم ينتبه إليه كريم بلقاسم إلا حين أحس بالخطر الذي يهدد المنطقة بعد الأحداث التي جرت بها خلال حكم عميروش. * * لا أحد ينكر أن العقيدين عميروش وسي الحواس سقطا شهيدين في معركة (جبل ثامر) في مارس، شهر الشهداء عام 1959، وبالتالي فاتهام جماعة »وجدة أو غار دي ماو« بأنهما وراء الاغتيال هو مجرد أكذوبة يصعب تسويقها. والادعاء بأن جثتيهما كانتا في ثكنة للدرك الوطني هو تشويه للدرك الوطني، وأكذوبة أخرى، فالجثتان كانتا تحت وزارة الدفاع، والشاهد ما يزال على قيد الحياة وهو العقيد أحمد بن شريف الذي كان أول من أعلن ذلك في مجلة منبر أكتوبر. * * الحرب النفسية لمنع كتابة تاريخ الثورة * * وتحاول بعض الأصوات ممن استفادوا من »الجهوية« في تسوية »مستقبلهم« وضمان أمنهم الغذائي، الترويج لمعلومات خاطئة تفيد أن المغرب لم يهجم على تندوف سنة 1963 وإنما هو ادعاء من الرئيس الأسبق أحمد بن بلة من أجل وقف الصراع على السلطة، بالرغم من أن العملية خلفت ضحايا، ومنها الرئيس حسني مبارك الذي كان في القوات الجوية وأصيب أثناء الهجوم، ولولا الرئيس فيدال كاسترو والسلاح الكوبي لصارت تندوف مغربية، والأصوات التي تطالب المغرب باسترجاعها هي من بقايا الهجوم المغربي على الجزائر، ومن يسوقون لهذه المعلومات الخاطئة إنما يريدون الانتصار لغير الحقيقة. ومن يدعي بأن عميروش كانت له سكرتيرة وليس سكرتيرا فهذا لا علاقة له بالثورة وإنما قرأ عنها في »روايات إيف كوريار«. * * أما الطعن في عدد الشهداء، فأعتقد أن أصحابه يريدون »الشهرة والبريستيج« بعد أن تأكدوا أنها لا تورّث عبر الآباء أو عبر إنشاء أحزاب أو عضوية مجلس الأمة أو غيرها من المناصب. والمفارقة، أن من تلفظه السلطة في الجزائر يتحول إلى مروّج لأفكار ليست صحيحة، ومعلومات خاطئة، ويسعى لتضليل الرأي العام. * * الفرنسيون حين كذبوا أن يكون ضحايا مجازر 8 ماي 1945 هم 45 ألف وجدوا في فرنسا من يطعن في مصداقيتهم. * * وحتى الآن لا يستطيع فرنسي أن يتنكر لهذا الرقم، أما الادّعاء بأن الهدف من تضخيمه هو نهب المال العام، فاعترف أنني إبن شهيد، حتى الآن لم أستفد من ذلك، ولم أنخرط في أية جمعية ولكنني أعتز بأن من حرروا البلاد واستشهدوا أحق بالاحترام ممن يدعون أنهم مجاهدون ويطعنون في من أبقاهم أحياء. * * إذا كانت الفتنة في الولايتين الأولى والثالثة هي التي أوجدت محاكم التفتيش خلال الثورة، فإن الاستعمار هو الذي غذى الحرب النفسية وحروب الردة خلال الثورة حتى يقضي عليها وبقاياه صارت اليوم تسوق لتحجيم ثورة كبيرة حررت شعوب العالم الثالث، وماتزال في قلوب الشعوب رمز الانتصار والتحرر.