صادق أعضاء البرلمان المجتمع بغرفتيه، أمس بقصر الأمم، بالأغلبية المطلقة على مشروع قانون التعديل الجزئي والمحدود للدستور الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة يوم 29 أكتوبر الفارط، حيث تم تسجيل 500 صوت ب "نعم" من أصل 531 عضو الذين كانوا حاضرين في جلسة التصويت، وبالمقابل عبر 21 عضو من الأرسيدي ب "لا" ليقرروا بعدها مباشرة الانسحاب من الجلسة، فيما تراوحت مواقف كل من الإصلاح، والأفانا بين التأييد والامتناع. انطلقت أشغال البرلمان أمس بقصر الأمم بنادي الصنوبر للمصادقة على المشروع المتضمن تعديل الدستور، حيث شرع مقرر اللجنة البرلمانية المشتركة شيهوب مسعود بعرض المشروع النظام الداخلي لسير البرلمان المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا. وبعد أن صوّت أعضاء البرلمان بالأغلببية المطلقة على مشروع النظام الداخلي الذي تم عرضه، استهل رئيس الحكومة أحمد أويحيى عرضه الخاص حول مشروع تعديل الدستور، حيث ذكر بالظروف المأسوية التي مرّ عليها الشعب الجزائري والتي حعلته ياعني الويلات خاصة في العشرية الفارطة، ليؤكد بأن هذا الشعب ورغم كل تلك المعاناة خرج من المأساة وضمّد جراحه بفضل الوئام المدني والمصالحة الوطنية، بما يؤهله إلى العمل من أجل بعث مشاريع التنمية والسعي نحو تعزيز الإطار الدستوري لللبلاد لتكريس هذه المكتسبات والحفاظ عليها. ومن هذا المنطلق ارتكز أويحيى في عرضه لمشروع تعديل الدستور على ما جاء في خطاب رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتلفليقة عندما أعلن عن المشروع في تاريخ 29 أكتوبر الفارط، لا سيما عندما أكد أن الدساتير قابلة للتغيير وأن كل دستور له ظروفه وأسبابه وأبعاده التي يرمي إليها، كما قال رئيس الحكومة في هذا السياق "إن مشروع تعديل الدستور يندرج ضمن الإرادة الشعبية التي صوّتت لصالح دستور 1996، وبذلك يتأكد بأن مشروع التعديل يستمد روحه وفلسفته من الدستور نفسه، كما أن طريق اقتراح المشروع مرت عبر كل المراحل القانونية والدستورية". واستنادا إلى ما ورد في عرض أويحيى، فإن الهدف من هذا التعديل يبقى في الأساس الحفاظ على المبادئ التي ينص عليها الدستور نفسه، حيث أشار إلى أن رئيس الجمهورية قد اقترح نصا يحصّن رموز الجزائر التي لا يختلف عليها أحد، وبالتالي تعدل المادة 5 من الدستور، وتحرر كالآتي: "المادة 5: العلم الوطني والنشيد الوطني من مكاسب ثورة أول نوفمبر 1954 فهما غير قابلين للتغيير• هذان الرمزان من رموز الثورة، هما الرمزان للجمهورية بالصفات التالية: علم الجزائر أخضر وأبيض، تتوسطه نجمة وهلال أحمرا اللون، النشيد الوطني، بجميع مقاطعه، هو "قسما"• وأضاف المتحدث أن المادة 3 من مشروع القانون تنص على دسترة واجب الدولة في ترقية كتابة التاريخ الوطني، وفي هذا الإطار قال أويحيى "ليس هناك أدنى شك بأن الأجيال القادة ستعرف كيف تبتبعد عن كل الأوهام المتأتية من الخارج، كما ستدرك بأن وطنها لا بديل لها عنه وستستمد الشبيبة مزيدا من الثقة بالنفس خاصة في عصر العولمة لمواجهة كل التحديات". أما فيما يتعلق بالمادة الخاصة بترقية الحقوق السياسية للمرأة، فقد أكد أويحيي أن "الجزائر وفور استقلالها سعت إلى تكريس مبدأ المساواة في الحقوق بين المواطنين والمواطنات، وبذلك لا يسع الجزائر المستقلة اليوم إلا أن تعتز بترقية مكانة بناتها اللواتي أصبحن يمثلن الأغلبية في المدارس والجامعات"، وعليه -يقول المتحدث- سيتم ابتاع هذا المبدا يقانون عضوي يمنح المرأة حقوقها السياسية كاملة كما هو الحال في عديد من دول العالم عن طريق تعديل النظام الانتخابي. واستطرد رئيس الحكومة في مداخلته، للحديث عن فتح العهدات الرئاسية الذي أكد أنه جاء تكريسا للإرادة الشعبية وتعزيز الممارسة الديمقراطية في الجزائر، ويبقى أن توحيد السلطة التنفيذية من شأنه وفق ما صرح به أويحيى أن يحل مشكل تداخل الصلاحيات على مستوى هذه السلطة، حيث تنص المادة 77على أنه لرئيس الجمهورية الحق في تعيين الوزير الأول والوزراء وإنهاء مهامهم، كما يمكنه أن يعيّن نائبا أو عدة نواب للوزير الأول بغرض مساعدة الوزير الأول في ممارسة وظائفه، وينهي مهامه أو مهامهم. كما أنه لرئيس الجمهورية الحق في تعيين أعضاء الحكومة بعد استشارة الوزير الأول، وينفذ الوزير الأول برنامج رئيس الجمهورية، وينسّق من أجل ذلك، عمل الحكومة، ويضبط الوزير الأول مخطط عمله لتنفيذه، ويعرضه في مجلس الوزراء. وعن علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية قال أويحيى بأن التعديل يضمن صلاحيات كل سلطة على حدا، حيث يقدم الوزير الأول مخطط عمله إلى المجلس الشعبي الوطني للموافقة عليه، ويُجري المجلس الشعبي الوطني لهذا الغرض، مناقشة عامة، كما يمكن الوزير الأول أن يكيّف مخطط العمل هذا، على ضوء هذه المناقشة وبالتشاور مع رئيس الجمهورية. من جهته تطرق مقرّر اللجنة البرلمانية المشتركة مسعود شيهوب إلى عمل اللجنة الذي انصب على فتح نقاش موسع مع رئيس الحكومة أحمد أويحيى حول مشروع تعديل الدستور، وأكد أن النقاش قد تركز على تثمين بأغلبية كبيرة لمبادرة رئيس الجمهورية بشأن التعديل، كما نوهت بإدراج رموز الأمة ضمن هذا التعديل. وبعد هذا العرض صوّت أعضاء البرلمان على مشروع التعديل الدستوري، حيث تم إحصاء 500 صوت ب "نعم"، من أصل 531 عضو حضروا جلسة التصويت، فيما قرر أعضاء الأرسيدي التصويت ب "لا" والبالغ عددهم 21 عضوا، أما أعضاء الإصلاح، النهضة وبعض نواب الأفانا فقد تراوحت مواقفهم بين القبول والرفض، حيث تم تسجيل صوتين مؤيدين للتعديل من قبل النهضة وثلاثة أصوات امتناع، كما تضاربت مواقف الأفانا بدورها بين التأييد والامتناع، وبذلك فقد تم تسجيل ثماني حالات من الامتناع. وأمام هذه النتائج، أعلن عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة أن البرلمان المجتمع بغرفتيه قد صادق وبأغلبية مطلقة على مشروع التعديل الخاص بالدستور، ثم قرأ رسالة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة التي بعثها للمشاركين، ليشرّع بعدها مباشرة في مراسيم الاختتام.