جاء في الجرائد الجزائرية أن قيادة حركة مجتمع السلم "حمس"، تكون قد دفعت مبلغ خمسين (50) مليون سنتيم لكل نائب صوت بنعم لصالح تعديل الدستور، وقد لجأت قيادة حمس لهذا "الإجراء" للتأثير على نواب "كتلة التغيير" المناوئة للسيد بوجرة سلطاني. إن كان القول ما قالته الصحف، فأن الوضع في بلدنا، يحتاج فعلا ليس لزوم واحد –عنوان هذا الركن- بل لآلف الزومات، لفهم وإدراك ما جرى ويجري في الساحة السياسية. من عدة أشهر شاركت، إلى جانب السيد سعيدي، وهو من قيادات حركة حمس، في لقاء من لقاءات حصة جدل للقناة الإذاعية الأولى، وكانت الحصة مخصصة لمناقشة ظاهرة انحسار الإسلام السياسي في الجزائر وفي العالم العربي. تدخلي تميز بالمثالية، كما قال أحد الزملاء الأساتذة من الذين شاركوا في الحصة. مثالية آرائي تكمن في كوني مقتنع بأن "المناضل" الإسلامي لا يمكن أبدا أن يشبه، أو يكون، مثل أي مناضل آخر من أي حزب آخر. الإسلامي هو ذلك الإنسان الذي يخشى الله في كل أعماله، ولا يقصد من وراء "نضاله" السياسي ونشاطاته غير وجه الله؛ وعليه كان من بين ما قلته للسيد سعيدي، على الهواء مباشرة، هو إني أتعجب لتهافت حركته، التي تنتمي للتيار الإسلامي، على الكرسي، وعلى المسؤوليات، وأضفت قائلا: "ن كنتم تريدون وجه الله فالله باق .. إنه أبدي، وإن كنتم تريدون السلطة فهي فعلا زائلة ومن حقكم أن تسارعوا وأن تكتكوا وأن تقبلوا بكل المواقع، لكن بشرط أن تنزعوا لباس الإسلامي وأن تمارسوا السياسة التي هي فن الممكن والتي تتطلب، في زمننا هذا، الكثير من المناورات والقليل من الأخلاق". تصوري للإسلامي أنه يسمو بنفسه ويترفع عن الماديات، فهو موعود، إن صدق، بما هو أثمن وأغلى وأبقى من مجرد مسؤولية يتحمل كل تبعاتها أمام المواطنين في الزائلة وأمام الله في الباقية. هدف الإسلامي الحق، كما نعتقد، هو السير بالمؤمنين إلى ما هو أسمى: بناء مجتمع يعيش فيه المواطنون بمختلف فئاتهم وشرائحهم ومشاربهم وانتماءاتهم في سلم وطمأنينة وبدون إقصاء؛ وأنه لجزاء، لو يعلمون كبير. هذا المجتمع لا يمكن تحقيقه، في رأيي، دون وجود أناس يضحون بوقتهم وجهدهم ومالهم من أجل ترقية الأخلاق، وتربية الناشئة، وتبيين الحلال من الحرام، والمسموح به من الممنوع.. أناس يحبون الله ويقدسون الحياة ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة. في مرحلة السبعينيات، كان الاعتقاد، في العالم العربي، أن الشيوعي هو أفضل من يقوم بهذا الدور، وذلك بحكم قناعاته وإقباله على التضحية من أجل الآخرين؛ فهو، كما كانوا يقولون، كالشمعة، يشتعل لينير للآخرين الطريق. مع الوقت، أتضح أن الشيوعيين -الجزائريين خاصة- كانوا يريدون إشعال كل الشعب لينير لهم الطريق. مع اكتشافنا لحركة الإخوان المسلمين، ومع بدايات الإسلام السياسي، تصور البعض منا، أن المنتسبين لهذا التيار هم خير من يرسم طريق الجنة للمواطنين الجزائريين. الحديث هنا لا يشمل مختلف الفئات المشكلة لهذا التيار، بل المقصود فقط جماعة حركة مجتمع السلم، لأنها الحركة التي تضم كفاءات هي من خيرة ما يوجد في التيار الإسلامي بالجزائر. إن صح ما قالته الصحف بشأن الخمسين مليون سنتيم، فانه يحق لكل مواطن، خاصة الذين تعودوا على منح أصواتهم الانتخابية لرجال حزب أبو جرة سلطاني، أن يقول: "على هذه الحركة السلام"، لأن هذا التصرف من شأنه أن يضر بالتيار الإسلامي كبديل. إن منح قيادة حزب مبلغ مالي معين لنوابها مقابل التصويت على مشروع معين يدخل في إطار ما يسمى بالرشوة وشراء الذمم. بل أخطر من ذلك، فقد ألفنا شراء أصوات المواطنين ولم نسمع ببدعة شراء حزب لأصوات نوابه في البرلمان. ذلك لا يجوز، لأن المعمول به في كل أحزاب الدنيا، أن القضايا السياسية تناقش في إطار هياكل الحزب وبكل حرية ثم يتخذ القرار بالأغلبية، ويكون على الأقلية، الغير مقتنعة بالقرار، واجب الانصياع أو الصمت أو مغادرة الحزب. لم نسمع أبدا أن حزبا اضطر لشراء ذمم منتخبيه كي يصوتوا لصالح مشروع أو قانون معين، لأن ذلك يدخل في إطار الممنوع قانونا والمحرم شرعا. إن ما جاءت به الصحف، يثير تساؤلات عديدة، نطرح بعضها هنا، محاولين التكهن بإجابات لها، على أمل أن تقوم قيادة الحزب بتنوير الرأي العام بالحقيقة إن أخطأنا في حقها، ونتمنى أن نكون كذلك حتى لا تشوه الصورة. أول التساؤلات: ما مصدر هذه الأموال؟ المعروف، والمعمول به قانونيا، أنها لا تخرج عن ثلاثة: مساعدات الدولة، إسهامات المناضلين وتبرعات "المحسنين". والمشكل الذي يطرح هنا هو أن قيادة الحزب تمنح نوابها الذين يتقاضون مرتبا يتجاوز الثلاثين مليون، مبلغا يساوي أكثر من أربعين مرة الدخل الأدنى في الجزائر من المال العام (مساعدات الدولة هي مال عام)، أو من تبرعات وإسهامات المناضلين والمتعاطفين. ثاني التساؤلات: هل يوجد جرد لأموال الحزب والرقابة عليها، وما هي الصلاحيات التي يمنحها القانون الداخلي للحزب لرئيسه في كيفية التصرف في الميزانية؟ من خلال منح مثل هذه المبالغ يتضح أن لرئيس الحزب كل الصلاحيات في التصرف في ميزانية الحركة وأن لا رقيب عليه، وهو ما يتنافى والنظم المعمول بها في كل أحزاب الدنيا، كما يتنافى ومبادئ الديمقراطية فما بالك بالشوراقراطية !. ثالث التساؤلات: هل توجد هيئة حكومية تدقق في حسابات الأحزاب؟ المفروض أن أجهزة الرقابة تدقق في حسابات الأحزاب بما في ذلك مصادر تمويلها وأوجه صرفها. أخيرا، إن صدق كلام الصحف، فمعنى ذلك أن الإسلاميين –إسلاميو حمس على الأقل- هم مثل كل السياسيين الجزائريين الآخرين. في هذه الحالة، نصيحتنا لهم: أنزعوا لحاكم، وامحوا تلك البقع المرسومة على جباهكم، والتي يقال أنها من أثر السجود.. كي يصبح من حقكم أن ممارسة السياسة بالطريقة التي ينتهجها غيركم. ملاحظة: لا نقصد من هذا الكلام أن الأخلاق ليست مطلوبة عند الآخرين أو أنها حكرا على الإسلاميين.