عشية انعقاد قمة أوبك في وهران صرح الرئيس الأمريكي المنتحب باراك أوباما أن إدارته ستسعى إلى التقليل من الاعتماد على نفط الشرق الأوسط، ولا يبدو أن المقصود هو مجرد التقليل من آثار الخفض المحتمل للإنتاج، فالهدف الذي أعلنه أوباما هدف قديم قد تجد واشنطن صعوبة كبيرة في بلوغه توصل أعضاء أوبك إلى اتفاق تاريخي بخفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا، وأكثر من هذا قررت دول منتجة من خارج المنظمة مثل روسيا وأذربيجان تخفيض إنتاجها وبحصص كبيرة، وهذه خطوة أولى على مسار التقارب بين أوبك والمنتجين من خارجها، وهو أمر قد يزيد من صعوبة بلوغ أمريكا لهدفها المعلن بالتحرر من الحاجة إلى نفط الشرق الأوسط، كما أن هذه القرارات، في حال نجاحها في رفع أسعار النفط إلى ما فوق سبعين دولارا، ستجعل عملية إنعاش الاقتصاد الأمريكي أكثر تعقيدا. لا ينفصل السعي الأمريكي إلى التحرر من التبعية لنفط الشرق الأوسط عن خطط الحفاظ على زعامة الولاياتالمتحدة للعالم، فقد اعترف بوش أن بلاده لا تزال تعتمد بشكل كبير على النفط الآتي من مناطق مضطربة وهو يعني بذلك منطقة الشرق الأوسط لكن فنزويلا أيضا، وهي أهم الدول التي توفر حاجات أمريكا من النفط، يحكمها رئيس يناهض السياسة الأمريكية ولا يخفي نيته في استعمال سلاح النفط في أي معركة قد تنشب مع هذه الدولة التي يصفها بالإمبريالية، ويضاف إلى هذه الاعتبارات السياسية توقعات الخبراء بمحدودية الاحتياطات العالمية من النفط مع تزايد كبير في الطلب يرجح بقاء الأسعار مرتفعة في المدى المنظور وإمكانية اختفاء هذه المادة الحيوية نهائيا على مدى بعيد، ولا يقابل هذه التوقعات المتشائمة أي مؤشر آخر يبعث على التفاؤل من قبيل احتمال العثور على مصادر أخرى للطاقة. في الخامس عشر من ديسمبر 1997 أجرت الولاياتالمتحدةالأمريكية تمارين عسكرية في جمهورية كازاخستان تحت اسم " سنترازبات " وقد بدأ التمرين بأطول رحلة طيران لنقل قوات محمولة جوا حيث تم قطع 7700 ميلا بين كارولينا الشمالية وكازاخستان وكان الهدف المعلن لذلك التمرين هو " طمأنة القادة المحليين إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية مستعدة للوقوف إلى جانبهم والمشاركة إذا كانت المساعدة الأمريكية مطلوبة في أزمة إقليمية في المستقبل "، غير أن اختيار جمهوريات آسيا الوسطى لإجراء مثل هذه التمارين غير المسبوقة كان مرتبطا بشكل مباشر بتلك الاكتشافات الجديدة التي أكدت أن حوض بحر قزوين يختزن 270 مليار برميل من النفط وهو ما يمثل 20 بالمائة من الاحتياطات العالمية المؤكدة و665 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي أي ثمن الاحتياطات العالمية من الغاز، وبعد أربعة أعوام من تلك التمارين العسكرية حدثت هجمات الحادي عشر سبتمبر والتي كانت من نتائجها المباشرة فتح الباب أمام تواجد عسكري دائم في المنطقة واعتبر بعض المحللين، الذين يؤمنون بوجود تصورات إستراتيجية أمريكية بعيدة المدى، أن الحرب على طالبان كانت تهدف أساسا إلى السيطرة على مصادر الطاقة في حوض بحر قزوين وسيتم تفسير غزو العراق واحتلاله فيما بعد بأنه جزء من الخطة الأمريكية لوضع اليد على أهم المناطق الغنية بالنفط، وتجد هذه التصورات ما يدعمها في الواقع على اعتبار أن واشنطن اعتبرت دوما السيطرة على النفط أحد ركائز قوتها ودورها على المستوى العالمي، فخلال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية ظلت نظرية الأمن القومي الأمريكي تقوم على ضرورة ضمان تدفق النفط وبأسعار معقولة، ويؤثر النفط على الأمن القومي الأمريكي على مستويين الأول داخلي باعتباره ركيزة أساسية للاقتصاد الأمريكي ويؤثر مباشرة على رفاه المجتمع الأمريكي ومستوى المعيشة فيه والثاني خارجي باعتبار أن السيطرة على النفط ستؤدي إلى مزيد من التحكم في الحلفاء الذين يمثلون قوى صاعدة تطمح إلى دور أكثر استقلالية عن الولاياتالمتحدة خاصة أوروبا واليابان، ومن هنا كانت الولاياتالمتحدة تعتبر محاولة أي قوة في العالم للسيطرة على منابع النفط تهديدا مباشرا لأمنها وعلى هذا الأساس تصرفت مع العراق عندما ضم الكويت في سنة 1990. البحث عن مناطق بديلة عن منطقة الخليج العربي التي تضم 675 مليار برميل من النفط ( ثلثي الاحتياطات العالمية المؤكدة ) بدأ منذ سنوات، فقبل عقد من الآن تحدث الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون عن تزايد الطلب على الطاقة وقدر أنه " لا يمكن لأمتنا أن تتحمل الاعتماد على منطقة واحدة لأجل إمداداتنا من الطاقة "، غير أن هذه المخاوف لا يمكن التصدي لها بالوسائل المتوفرة حاليا، فتزايد الطلب على النفط لا يجري الرد عليه من قبل الولاياتالمتحدة إلا ببديل واحد هو المسارعة إلى وضع اليد على المناطق التي تضم احتياطات كبيرة من النفط والغاز وهذا البديل لم يضمن إلى حد الآن استقرار أسعار النفط عند المستويات التي تعتبرها الدول الغربية مقبولة ولن يضمن تأمين الحاجات الغربية من الطاقة على المدى البعيد، غير أن البحث عن حلول لهذه المعضلة التي استفحلت خلال السنوات الأخيرة، التي شهدت ارتفاعا كبيرا في الطلب العالمي، يبدو بلا آفاق إلى حد الآن فالخبراء لا يظهرون أي تفاؤل بخصوص العثور على بديل للنفط في المدى المنظور على الأقل، والتوجه نحو الاستعمال المفرط للقوة من أجل تلبية الحاجات من الطاقة ينذر ببروز أشكال جديدة من الصراعات والحروب تنتفي معها مظاهر السيادة الوطنية التي ظلت صامدة إلى حد الآن. قد يكون الابتعاد عن نفط الشرق الأوسط خيارا لا مفر منه، لكن في مقابل ذلك يمثل الطموح الروسي المتزايد للتأثير في العالم، والمخاوف الاقتصادية التي تستبد بدول أخرى منتجة للنفط من انخفاض الأسعار دوافع إلى تقارب غير مسبوق بين مختلف المنتجين وإلى مزيد من التوجه نحو استعمال النفط كسلاح سياسي، وإرهاصات الوضع الجديد، التي بدأت تتضح الآن، ستجعل الحرب على مصادر الطاقة حربا بلا هوادة لأنها أصبحت قضية حياة أو موت.