لمدة سنوات استطاعت المكتبة الوطنية أن تكون منبرا حقيقيا للمثقف الجزائري، فقد فتحت أبوابها للفكر والثقافة وطرح الإشكاليات الحادة والملحة التي تتعلق مباشرة بمفهومنا للأشياء وعلاقتنا معها وكان ل"النخب الجزائرية" لقاءا هاما مع الشاعر والكاتب الحداثي أدونيس وإن كان البعض يختلف معه أو يتفق، فالنتيجة الواحدة التي أمكننا الخروج بها من اللقاء، أن الجزائر بعيدة كل البعد عن مفهوم النخب الثقافية، بل أنها تملك نخبا مزيفة أو صنعها الإعلام والأحداث والمواقع فقط وبمجرد أن تتواجه مع نخب حقيقية بمستوى "أدونيس" وغيره، تثبت عجزها وافتقارها للأفكار العميقة والآراء البناءة التي يمكن عن طريقها أن نوقف الآخر، أو نقدم بها أفكارنا بطريقة علمية موضوعية ممنهجة، بعيدا عن الصخب والضوضاء. الحوار والنقاش الذي فتحه أدونيس ورغم أهميته أكد أن نخبنا تتعامل مع الفلسفة والنظرية والرأي الآخر كتعامل طوائف الهجرة والتكفير مع المجتمع، فكل ما لا أؤمن به هو كفر، دون تقديم البديل أو المجادلة بالحجة والبرهان ولعل السبب أن النخبة الحقيقية في الجزائر تركت مكانها لمن هب ودب يتكلم باسم الجزائريين، في قضايا مهمة جدا بجهل وبعاطفة أكثر، دون أن يقنع الآخر، فحتى الذين يتبنون أفكاره واعتقاداته لم يعبر عن انشغالاتهم أو آراءهم بصدق وبعلم وبصيرة. الضجة التي أحدثتها محاضرة ادونيس وما تلاها حتى إقالة المدير العام للمكتبة الوطنية وضعتنا أمام سؤال هام وحساس هل نحن نملك ثقافة الحوار والمجادلة وهل نملك القدرة على المجابهة، فإن كانت نخبنا وقادة الرأي فينا بهذا الانغلاق ولا أقول التعصب لأفكارها وإن كانت النخب بعيدة عن النقاشات الهامة الدائرة في العالم، خاصة في الوطن العربي فكيف بالمجتمع، السؤال الملح كيف يمكن أن نقود مجتمعا لا نستطيع أن نحميه من الأفكار الهدامة أو تلك التي تعارض مبادئه وثوابته بنخب لا تحسن حتى إقناع نفسها فكيف بالآخر أو بالمجتمع نفسه.