الحكومة الفلسطينية تحذر من مجاعة في غزة بعد إغلاق الاحتلال الصهيوني لكافة المعابر    تبسة: فتح خمسة مساجد جديدة بمناسبة حلول شهر رمضان    توقيف 3 أشخاص مشتبه فيه و حجز 19800 قرصا مهلوسا    مليونًا و24 ألف مكتتب من المواطنين في برنامج عدل 3    غوتيريش يدعو إلى تجنب انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    يخص الطورين من التعليم المتوسط والثانوي    كانت تعمل بيومية الجمهورية بوهران    بمشاركة أكثر من 50 عارضا    حسب بيان صادر عن الصندوق الوطني للتقاعد    خنشلة تزامنا و شهر رمضان المبارك    رأي في الإصلاح التربوي.!؟    ماذا يريد وزير داخلية فرنسا من الجزائر؟    علولة يعود هذا الشهر    روتايو.. الحقد على الجزائر عنوان حساباته السياسية    وزارة الشؤون الدينية تطلق خدمة الفتوى    تدابير إضافية لمضاعفة الصادرات خارج المحروقات    بوغالي يلتقي رئيس برلمان الميركوسور..اتفاق على تنسيق المواقف في القضايا ذات البعد الإقليمي والدولي    تبادل الخبرات في مجال السياسات الاقتصادية    "ناسدا" تنظم معارض تجارية خلال رمضان    سعداوي يشارك في اليوم الإفريقي للتغذية المدرسية لسنة 2025..رئيس الجمهورية حريص على العناية بالمطاعم المدرسية    حماس تؤكد أن القرار انقلابٌ سافر على اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.. الاحتلال الإسرائيلي يوقف دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة..    البليدة.. الانطلاق في تجسيد برنامج رمضاني متنوع    أوغندا : تسجل ثاني وفاة بفيروس "إيبولا"    إثراء المحتوى الاقتصادي للشراكة الاستراتيجية الشاملة    دعوة الحركة التضامنية إلى مرافقة الشعب الصحراوي في نضاله العادل    شهر الفرح والتكافل والعبادة    المجمّع الجزائري للنقل البحري يرفع رأسماله    تصنيع قطع الغيار.. الجزائر رائدة خلال 4 سنوات    السياسة العقابية الوطنية مبنية على التعليم والتشغيل    الطلبة يحسّسون بأخطار المخدرات    شوربة "المقطّفة" و"القطايف" لاستقبال الضيف الكريم    تراجع مقلق لمستوى حاج موسى قبل قمّتي بوتسوانا والموزمبيق    غربال وقاموح في تربص تحكيمي في كوت ديفوار    "بشطارزي" يفتح أبوابه لعروض متميزة    عبد الباسط بن خليفة سعيد بمشاركته في "معاوية"    عسلي وحدوش في "الرباعة"    صلاة التراويح    قندوسي جاهز لتعويض زروقي في المنتخب الوطني    مرصد دولي يدين بشدة القيود المفروضة من قبل المغرب على المدافعين عن حقوق الإنسان في الصحراء الغربية المحتلة    رئاسة الجمهورية تعزي عائلة "هدى نذير"    سُنّة تخلى عنها الشباب رغم بركتها ومزاياها الكبيرة    الإعلان عن فتح باب الترشح لجائزة رئيس الجمهورية للغة العربية    فيلم فانون يفوز بجائزة أسبوع النقد    بلمهدي يقدم واجب العزاء    مولودية الجزائر تعزّز صدارتها    شهادة دولية لبنك الإسكان    ذهب الظمأ وابتلت العروق    كيف تحارب المعصية بالصيام؟    شنقريحة يحثّ على اليقظة ومضاعفة الجهود    بحث سبل تعزيز ولوج الأسواق الإفريقية    شهر رمضان.. وهذه فضائله ومزاياه (*)    تنس/الدورة الدولية ال2 للأواسط J30 الجزائر: تتويج الجزائرية بن عمار باللقب    صناعة صيدلانية: بحث سبل تعزيز ولوج المنتجين الجزائريين للأسواق الافريقية    الجمعية العامة الانتخابية للاتحادية الجزائرية لكرة اليد: فترة ايداع ملفات الترشح من 1 الى 3 مارس    العنف يتغوّل بملاعب الجزائر    عهدة جديدة لحمّاد    التوقيع على ملحق اتفاقية حول إدراج الأعمال التدخّلية    الجزائر تحتل مكانة استراتيجية في صناعة الأدوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعذيب لدى العرب ثقافة
نشر في صوت الأحرار يوم 10 - 05 - 2009

أستاذ مصري التقيت به في إحدى الدول الأوروبية، وبعد "‘إجراءات" التعارف بادرني بالقول: "أنت عربي وأنا عربي فلماذا لا نتمتع بهذه الفسحة في دولة أوروبية لنشبع ضحكا على حال العرب " ودون أن ينتظر مني الجواب راح يحكي العشرات من النكت السياسية عن الحكام العرب، وعلى إثر نكتة جد "مالحة" قلت له إياك أن تروي هذه النكتة في بلدك وإلا فانك ستنهي بقية أيامك في "اللومان" أو "أبو زعبل"، وهما أسمين لسجنين مصريين كانا مشهورين في السابق، وإذا بالأستاذ ينسى نفسه وينخرط في ضحكة مجلجلة جلبت نحونا أنظار المارة، ولما هدأ بعض الشيء قال والدموع في عينيه من أثر الضحك: "لومان إيه وأبو زعبل إيه.. ده كان زمان البكباشي.. السجون وقتها كانت فنادق خمسة نجوم مقارنة بسجون اليوم" وراح يحكي ما يعانيه المساجين في سجون أم الدنيا. شيء لا يصدق.
مناضل فلسطيني التقيت به في إحدى الدول العربية، قضى أكثر من ثلاث ساعات وهو يحدثني عن التعذيب الذي تعرض له على أيدي رجال أمن البلد الشقيق الذين كانوا يطالبونه، تحت التعذيب، بالاعتراف بالعمالة لإسرائيل. المناضل الفلسطيني ختم كلامه مؤكدا بأنه يتمنى أن يقع بين أيدي رجال الأمن الإسرائيليين ولا يتعامل مع نظائرهم في بعض البلدان العربية.
في منتصف الثمانينات، قضيت ثلاثة أسابيع ببولونيا وكان من بين ما زرت معسكر (أوشويتز) الذي يقال أن الغاستابو الهتلرية كانت تجمع فيه اليهود قبل تحويلهم إلى حمامات الغاز، وقد فوجئت وقتها وأعجبت بإنسانية الرايخ لأنه كان يسجن اليهود في غرف جد واسعة ومريحة وفيها تدفئة وأسرة للنوم. يومها لاحظت لبعض رفاق الرحلة أن هذا المعسكر هو أفضل بكثير من السجون العربية.
تذكرت هذه الوقائع وأنا أتابع على قناة الجزيرة شهادات الضابط المغربي أحمد المرزوقي عن المعاناة التي تعرض لها ورفاقه في سجن أمير المؤمنين بتازمامرت.
الوضعية داخل هذا السجن ليست غريبة علي، فقد سبق لي أن قرأت، منذ أكثر من عشر سنوات، كتاب (جيل بيرو) Gilles Perrault الذي صدر في بداية التسعينيات بعنوان "صديقنا الملك" Notre ami le Roi والذي يصف فيه بدقة كبيرة سجن تازمامرت.
الكاتب الفرنسي خصص فصلا كاملا لوصف الحياة المستحيلة داخل هذا السجن الرهيب الذي هو من ذلك النوع الذي لا يخطر على بال. الكاتب الفرنسي اللائكي خصص كتابه للحديث والدفاع عن المسجونين المغاربة المسلمين العرب المحرومين من كل الحقوق.
الملك الحسن الثاني الذي كان يلقب، في حياته، بأمير المؤمنين، لم يستسغ فكرة أن يقوم بعض الضباط بمحاولة الانقلاب على العرش فسام كل من كانت له علاقة من قريب أو بعيد، بما في ذلك ذوي الرتب الصغيرة واللذين لم يقوموا سوى بتنفيذ أوامر عسكرية دون أن يكونوا على علم لا بمخطط الانقلاب ولا حتى بأن ما يجري هو انقلاب عسكري، عذابا شبيها بعذاب جهنم، التي لا يموتون فيها ولا يحيون. نزلاء تازمامرت كانوا، من فرط التعذيب يحسدون زملاءهم اللذين ماتوا في هذا السجن واستراحوا.
أحمد المرزوقي عرى، من خلال شهادته على العصر، العرش الملكي وطرح، لعله دون أن يدري، إشكالية الحاكم بالمحكوم في هذا العالم العربي الذي لازالت تقمع فيه المظاهرات السلمية المطالبة بالتغيير وتنظم فيه الاحتفالات بمناسبة افتتاح سجون جديدة.
من كان يدعي أنه حفيد محمد رسول الله عليه أفضل السلام، ويصلي بالناس، ويشرف على الدروس الحسنية المنقولة على التلفزيون طوال شهر رمضان، ويرأس لجنة تحرير القدس.. هذا الملك كان يرى نفسه فوق البشر وأنه المانح والقابض للحياة، وبلغ به الجبروت حد القول، على إثر حادثة الصخيرات، أن الله يخوله حق القضاء على الثلثين من المواطنين ليعيش الثلث.
الضابط أحمد المرزوقي يقول أنه لما حوكم من طرف القضاء المغربي صدر في حقه حكما بخمس سنوات سجن لكنه قضى بتازمامرت ثمانية عشر سنة. إنه الظلم بعينه في مملكة أمير المؤمنين الذي لا يولي حتى الحد الأدنى من الاحترام للقضاء الذي يصدر الأحكام باسمه.
اللومان، أبو زعبل، تازمامرت .. وغيرها من السجون الفظيعة التي لا يعني وجودها سوى شيئا واحدا، وهو أن هذه الأمة لا زالت بعيدة جدا عن الحد الأدنى من احترام حقوق الإنسان، وأن من الأنظمة العربية من لم تصل بعد في تعاملها مع مواطنيها المسجونين مستوى معاملة هتلر لليهود.
حتى أكون موضوعيا لا بد من الإشارة إلى أن الحكام العرب لا يجن جنونهم إلا عندما يتعلق الأمر بالمساس بالنظام و"بأمن النظام". في مملكة صاحب الجلالة، يمكن للمغربي أن يزرع ويجني ويبيع بالمخدرات، أو يتاجر بالسلاح أو حتى يغتصب صبية في سن الطفولة دون أن يزعجه أحد. كل الممارسات التي تعد في دول العالم المتقدم من الجرائم وتسلط على فاعلها أشد العقوبات، يمكن ممارستها في المملكة دون إزعاج. الشيء الوحيد المحرم على المغاربة حتى حق التفكير فيه هو تغيير النظام السياسي.
إن ما لا يستطيع المرء إدراكه هو لماذا يستورد هؤلاء الحكام كل شيء من الغر ب: من الخمور العتيقة إلى آخر موديل من السيارات. يستوردون كل معالم الحضارة الغربية بما فيها اللغة ونمط المعيشة وأنواع الرقص المختلفة لكنهم يرفضون وبشدة استيراد، أو التشبه بالغرب في أهم وأجمل وأرقى ما لديه: الحرية وتقديس حقوق الإنسان. التساؤل الذي يطرح هو: لماذا المسلمون، منذ عهد يزيد بن معاوية، هم أكثر الناس ابتعادا عن قيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان مع أنها جوهر الدين الإسلامي؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.