انتهت أول أمس الخميس امتحانات شهادة البكالوريا، بعد أن تواصلت على امتداد خمسة أيام، وعلى العموم فإنها تمت في ظروف عادية مقبولة، لولا حدوث بعض الأخطاء والهفوات التي أدخلها الوزير حتى الآن في عداد الإشاعات، والتي سجلت في أسئلة شعبة الاقتصاد والتسيير، في اليوم الثاني من الامتحانات، وشعبة التقني رياضي، في مادة الرسم الصناعي، ومادة العلوم، وكذا بعض التجاوزات الأخرى والممارسات غير القانونية، التي تحدث عنها الوزير نفسه، وتتمثل في عمليات الغش التي وعد بصرامة العقوبات التي ستتخذ في حق هؤلاء وشركائهم. تناهى إلى علم وزير التربية الوطنية أبو بكر بن بوزيد أن غشا في امتحانات البكالوريا قد حدث في بعض الجهات من الوطن، الأمر الذي حتم عليه التعهد باتخاذ إجراءات صارمة إزاء ممارسي الغش وشركائهم في المساعدة بطريقة أو بأخرى على هذا الغش، ووعد بتسليط العقوبات القانونية اللازمة على هؤلاء، لكنه حتى الآن اعتبر بعض الأخطاء التي ضبطت في أسئلة بعض المواد، ونخص بالذكر منها الأخطاء المسجلة في مادة الرياضيات بشعبة الاقتصاد والتسيير، ومادة الرسم الصناعي في شعبة تقني رياضي، ومادة العلوم، "مجرد إشاعات" روجت لها مثلما قال بعض الصحف الوطنية، وأوضح أنه " اتخذ كافة الاحتياطات، قبل انطلاق الامتحانات، لتجنب مثل هذه الحالات، وذلك عبر تجنيد فرق خبراء، مكلفين بإعداد أسئلة الامتحانات، علاوة عن اتخاذ إجراءات جد صارمة من شأنها ضمان صحة مضمون كل سؤال قبل نشره". ومهما يكن فإن هذه الأخطاء الواردة في أسئلة البكالوريا التي هي تقريبا نسخة طبق الأصل لما حصل في امتحانات بكالوريا السنة الماضية، تكاد بتكرارها على هذا النحو تكون قريبة من التعمد، ذلك أن وزير التربية نفسه قد أظهر، وأعلن في عديد المرات عن حرصه الشديد ومتابعته الشخصية لكل ما يتعلق بهذه الامتحانات الرسمية، ووضع نصب عينيه وبالدرجة الأولى مسألة الأخطاء التي قد تسجل في أسئلة هذه المادة أوتلك، متخذا العبرة من بكالوريا السنة الماضية التي اعترفت فيها وزارة التربية نفسها بحدوث أخطاء، وقامت بمعالجة الآثار السلبية المترتبة عنها، من خلال إحداث ترتيبات محددة في عملية التصحيح، وامتنع في نفس الوقت الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات عن الاعتراف بوجود أي خطأ، وقد جاء هذا على لسان الأستاذ صالحي مدير الديوان في أكثر من مرة، وقال لم تحصل أية أخطاء في امتحانات السنة الماضية وأتحدى أيا كان إثبات وقوع أي خطأ، ويأتي هذا طبعا في الوقت الذي تمسكت فيه نقابة المجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني (كناباست) بثبوت ما كانت اكتشفته من أخطاء، عن طريق أساتذتها المتخصصين. وحتى وإن لم يحسم الأمر في السنة الماضية بشكل قطعي بشأن ما حصل في السنة الماضية، فإننا اليوم لا نرى للوزارة أي مخرج إلا بمباشرة تحقيقات جادة ومتخصصة، غير مضببة، تحدد فيها المسؤوليات بدقة ووضوح، وأن لا يترك المجال لأي تضارب في النتيجة والموقف، وإلا فإن التهمة تعود على الجميع، وقد يصبح الكل متهما بالتعمد في اقتراف مثل هذه الأخطاء سنويا، بما فيها أشخاص المؤسسات الرسمية، الذين ربما مثلما قال بعضهم يرون في أنه لابد من كسر نسبة النجاح العالية بمثل هذه الطرق الملتوية. ومن دون أن نذهب بعيدا في اتهام أي كان أو أية جهة كانت، فإن عمال القطاع والتلاميذ والأولياء لا نعتقد أنهم سيقتنعون بالمواقف الوسطية التي قد تبدو لهم متضاربة ومتناقضة، بين مقر لها وناكر، فإن ثبتت بالفعل هذه الأخطاء المتحدث عنها، فإنه على الأساتذة والمفتشين والمسؤولين المختصين، أن لا يتضاربوا في الموقف وأن يخرجوا برأي واحد، تسارع بموجبه وزارة التربية للإعتراف بالخطأ ومعالجته بشكل فوري ومحدد. ومن دون مبالغة أو تهويل أيضا فإن الاستمرار في اقتراف مثل هذه الأخطاء في الامتحانات الرسمية، والسكوت عنها أو المرور عنها مرور الكرام، كل نهاية سنة دراسية، هو في حد ذاته خطر كبير على مصداقية الدولة الجزائرية إزاء هذه الامتحانات، وعلى الشهادات العلمية التي تمنحها، ومكانتها الفعلية بين الشهادات التي تمنحها الدول والشعوب الأخرى لأبنائها والدارسين عندها، فلو استمر الحال على ما هو عليه، لما عادت للمؤسسات التربوية الرسمية أية مكانة محترمة لدى المؤسسات الرسمية المماثلة في الدول الأخرى، ولعل ما يفيد أيضا أن تسعى وزارة التربية بكل ما تملك من وصاية ومسؤولية كاملة على القطاع إلى القضاء النهائي على ظاهرة الغش، وهو ما جاء على لسان وزير التربية الوطنية، حين قال أول أمس من المدية "أنه سيتخذ إجراءات عقابية صارمة في حق مترشحي البكالوريا، الذين يخالفون القوانين المعمول بها في سير الامتحانات وشركائهم، الذين تم كشفهم يمارسون الغش، وأقصوا من اجتياز الامتحان، ولكننا مع هذا نرى أن إجراءات عقابية وحدها غير كافية لإنهاء هذه الظاهرة الضارة، لأننا نرى أنها في استفحال متواصل، وتستلزم تنظيم ندوات تفكير بشأنها، ومعالجتها من جذورها، بفضل تضافر كل الجهود، ولا تستثنى من ذلك جهود الأولياء والمربين.