توالت المصطلحات في عصر المتغيرات الكبرى حتى بلغت حد التداخل الذي بعثر الأجواء، واختلطت المبادئ الأصولية مع المبادئ العلمانية، وتوجتا في كأس الليبرالية التي أعلنت انتصارها في نظرية "نهاية التاريخ" على النازية والشيوعية معا وأخذت الشرائع الدينية في طريقها. وارتدى الأصوليون عمامة الديمقراطية على مقاسات التطرف الطائفي، وجعلوا منها قناة الوصول إلى مراكز القرار السياسي، وقبلوها بضاعة مستوردة من صانعها الغربي الذي غلفها في علب قابلة للتصدير نحو خارطة سياسية كيفت نفسها لاستهلاك ما لم تعتد على استهلاكه، وأسموها حسب أهوائهم ب" ديمقراطية دينية" هي نتاج طبيعي لما أسمته أمريكا في عهد جورج بوش "الإسلام المودرن" عكف الإسلاميون السياسيون المتلحفون بعباءات طائفية على "تشذيبه و تهذيبه وتنقيته" لجعله متكافئا مع روح العولمة التي أضحت القانون الأوحد في القرن الواحد والعشرين المرسوم بتفاصيله وفق رؤى القطب الأمريكي الأوحد. وأضحى التسلل الخارجي إلى الداخل عبر القنوات الديمقراطية قانون اللعبة المطلق في عصر المتغيرات الراهنة لمن قبل الديمقراطية نظاما اجتماعيا سياسيا مستوردا، يتلاقى مع أصولية دينية تثير حوادث الصراع مع الغرب المصنع الأول للنظم الاجتماعية، وتستهلك بضاعته في الوقت ذاته. والمشهد الإيراني الراهن يعكس حالة التناقض التي وقعت النظم الإسلامية في فخاخها، فعبر قناة ما أسموه ب "الديمقراطية الدينية" تسلل ما أطلقوا عليه "الشيطان ألأكبر" إلى الداخل فأجج الصراع العنيف في مؤسسة النظام السياسي الواحد، وفتح حلبات التناحر الدموي على مصراعيها بين المحافظين الراغبين بتجديد حضورهم لتنفيذ برنامجهم التوسعي في الشرق الأوسط الكبير، والإصلاحيين الساعين لانتزاع مقاليد السلطة ، وإخراج إيران من دائرة الصراع العالمي الخاسر وفق قراءاتهم. وكانت إيران فد تسللت عبر قناة الديمقراطية ألأمريكية الممتدة في غزوة همجية، لتنسج حضورا قلقا في العراق من خلال أحزابها الطائفية التي حملوها هوية عراقية زائفة، صادق عليها الاحتلال الأمريكي البغيض عبر تقاليد ديمقراطية عبثية، ولم تصف تدخلها غير المشروع هذا تسللا. إيران استثمرت قانون اللعبة الديمقراطية في العراق ووصلت عبر قناتها إلى واجهة سلطة الاحتلال الأمريكي العسكري في بغداد، فلماذا لا تدع أمريكا تستثمرها في طهران عبر دعم الإصلاحيين في "ديمقراطية دينية"؟؟