هو أبو حفص، حفيد عاصم بن عمر بن الخطاب، وسابع خلفاء بني أمية، ولد سنة 60ه بمصر وأبوه والٍ عليها• ولما ترعرع أرسل من مصر إلى المدينة ليتأدب فيها على العلامة عبد الله بن عبيد الله، فلم يزل معه حتى صار إليه المنتهى في جميع علوم عصره• ولما تولى ابن عمه سليمان بن عبد الملك الخلافة سنة 96 ه طلبه إليه واتخذه وزيراً له وأطلق يده في أمور الخلافة فقام بها خير قيام• ولما مات سليمان سنة 98 ه ، خلفه هو بعهد منه فصعد المنبر وقال: أيها الناس، والله ما طلبت هذا الأمر قط في سر ولا علانية، وإني خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فمن كان كارهاً لشيء مما وليته فالآن•• فصاح الناس صيحة واحدة قد اخترناك ورضيناك أميراً لنا• أخذ يدير الخلافة بالعدل، فرد المظالم ونشر المكارم• ومات عن اثني عشر غلاماً لم يترك لهم شيئاً• ولما حضرته الوفاة جمعهم وجعل يصوِّب نظره فيهم، ويصعِّده حتى اغرورقت عيناه بالدموع ثم قال بنفسي فتية تركتهم ولا مال لهم، يا بَنيَّ، إني خيرت نفسي بين أن تفتقروا إلى آخر الأبد، وبين أن يدخل أبوكم النار فاخترت الأول• يا بَنيَّ، عصمكم الله ورزقكم، كلت أمركم إلى الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين• وكان عنده وقتئذ مسلمة بن عبد الملك فوهبه أربعين ألفاً ليفرقها على أولاده، وقال له عن طيب نفس فعلت•