]3[ ••''لم تبق للمقابر تلك السّكينة التّي تعرف كيف تتلقى الاحترام وتلطف الآلام وتحثّ على حياة أفضل، أضحت جرحاً فاغراً ولغطاً يتعذّر إيقافه، الحفر بالمجرفة الآليّة والدّفن بالصّفوف، والنّاس يتحاشرون على مدى البصر، يموت النّاس مثل الذّباب، يبتلعهم التّراب، لقد فقد كل شيء معناه، في هذا اليوم ومثل الأيام السّابقة، يتم دفن ضحايا الإرهاب الجّدد، الإرهاب يعيث فساداً في كلّ مكان• في حقيقة الأمر، إن هذه العداوة لا اسم لها، فهي حرب إن أردنا، عنف بعيد وقريب فيآن، بدعة عبثيّة وفاسدة، شيئاً فشيئاً، تخترع قناعاتها ومخططاتها، وحشيّة بنهم غريب، تتلذّذ بإيذاء الأبرياء وتعبس في وجه الأنذال، ممثلوها؟، هم جميع النّاس تقريباً ولا أحد نستطيع أن نؤشّر اتجاهه قائلين:إنّه هو، إنه ذاك الرّجل، يعاني الجّميع من عذابها، ينوحون من فظاعتها، يندّدون بجرائهما• وبالمقابل يؤيّد الجّميع فكرة أنّها لم تحقق أهدافها بعد وعليهم أن يؤجّجوا نيرانها، كنا سنسمّيها حرب إبادة لولا رفض الممثلّين لهذه اللفظة الثّقيلة الوقع•••لقد عمّ الخراب والبغضاء كل أرجاء البلد''•• يحكي صنصال في قسم البرابرة مآسي بلده، حقائق لا يرغب أحد في سماعها ولا تصديقها، رواية بني معمارها العام على شكل قصّة بوليسيّة، يكلف مفتش شرطة بالتّحري حول جريمتين متوازيتين، فينقلنا معه لفكّ النقاب عن وكر الشّرّ المتربّص بالجّميع، لقد اخترع الكاتب في ذات الرّواية لغة قويّة، كلمات فظة الدّلالات، موحيّة، تطفح بالرّموز والصّور الشّعريّة المعبّرة، رواية تصف أشكال البارانويا المنغرسة في الرّوح البشريّة المنحطّة، قسم البرابرة رواية إدانة المجتمع المتواطئ مع الأصوليّة والسّلطة التّي صنعت وحش التّطرف والإرهاب، مغذيّة نجاحا لم يتوقعه و فتحت شهيته الرّوائية لكتابة روايات أخرى أكثر تشدّدا ومعارضة، خارقا غشاء بكارة التابو فيأتي في هذا السّياق رواية ''الطفل المجنون للشّجرة الجّوفاء''، تدور أحداثها في سجن لامبيز•• بيار الفرنسي من الأقدام السّوداء ورشيد الإرهابي، صدر في حقّهما حكما بالإعدام، بيار يعود سرّا للجّزائر بحثا عن أمّه التّي تخلت عنه، يجد جزائر رهينة الخوف والعنف، يكتشف حقائق مزيّفة وخطيرة عن استقلال الجّزائر، ينخرطان في حوارات جدليّة متشعبّة حول الحياة والجّزائر والتّاريخ، ينتشر خبر أن لجنة دوليّة لحقوق الإنسان تقرّر زيارة السّجن فتعلن حالة طوارئ في السّجن، بيار وفريد شخصيتان غير نمطيتان بالمعنى السّيكولوجي على خطّ النّقيض، محتجزتان في حوار فلاش باك تيمته الرّئيسة الماضي والحاضر، الحياة والموتكلّ الإرهاصات الذّاتية والجّماعية تنقّب في حفريّة الوطن المريض، لقد أصبح صنصال بعد هذه الرّواية والبريد الباقي، الرّقم واحد في قائمة المتّهمين بالتّشويش على كل ما هو أصالة وقيّم وطنيّة• ما العمل؟ هل المطلوب الحجر عليه أو التّعامل معه كمبدع؟ أو قطع رأسه ولسانه؟• أحد النّقاد اختصر الظّاهرة الصّنصاليّة كاتبا••''يعرف صنصال أن الوصفة السّحرية للنّجاح في الغرب هو أن يتخذ مواقف قد تجعله أحيانا يتحدّث وكأنّه لا ذاكرة له ولا تاريخ له ولا شعب ولا حضارة، أقصد، أن صنصال كغيره من الكتاب المنشقّين في العالم العربي والإسلامي ركب موجة خالف تعرف••''••في سنة2003، صدرت رواية ''قل لي الجّنّة'' تدور أحداثها في حانة ''الأصدقاء''، أعالي باب الوادي لصاحبها عمّي صالح أحد قدماء المجاهدين، ترتادها عيّنات مختلفة من المجتمع، لكلّ واحد قصّة يريد أن يحكيها، له وجهة رأي فيما يحدث في البلاد، أسئلة وإجابات للواقع الجّزائري، حنين للماضي وخوف من الحاضر، طارق الطبيب الشّخصيّة الرّئيسة يحكي لأحد أصدقائه في الحانة عن رحلته الغريبة إلى الجّنوب، في الطريق يرافقه طفل، شخصيّة غامضة، كتومة، عيناه مفتوحة على سؤال الحيرة والدّهشة وشوقها لماض جميل يصعب الإمساك به، تسمح هذه الرّحلة لطارق بتحصيل مجموعة من الاستنتاجات المهمّة كانت مجهولة له عن جزائر اليوم والبارحة، الحلم والكابوس، لا تبتعد الرّواية كثيرا عن خطاب صنصال الاستفزازي، التشكيكي، التّهديم ومحاولة البناء، لكن أي بناء يريده الكاتب؟، يقول••''في هذه الرّواية تحدثت عن الجّزائر، جزائر اليوم المصابة بدوار التاريخ، المتوهمّة، المتعايشة مع مآسيها، مفزوعة من ماضيها المجزأر ومسكونة بأسئلة الحاضر المفلس، في ''حرافة'' 2005 روايته الرّابعة، يواصل تشريح الحالة المرضيّة للجزائر عبر حكاية لامية طبيبة أطفال، المثقفة، تعيش بمفردها في البيت العائلي الكبير، يشاركها فيه أشباح عائلتها، شبح أخيها الكبير الذّي مات في حادث سيارة، أختها لويزه وزوجها المتزمّت دينيّا، وسفيان الصّغير الحرّاف، في أحد الأيام تزورها فتاة شابة حامل من أخيها سفيان، تهتمّ بها لامية وترعاها، إلى أن تختفي فجأة، فتبدأ لامية في رحلة بحث عن سرّ اختفاء أخيها والفتاة فتكتشف عالم مواز للحياة المعاشة هو الحرفة والحرافة، رواية حراقة هي حكاية حزينة عن تمزّق الوطن، استنزافه، إصابته بغنغارينه الحاضر صنيعة الماضي، مأساة شباب أوصدت في وجهه أبواب المستقبل وانعدمت سبل الحياة الشّريفة والكريمة فاختار الانتحار كخطاب يأس وغضب وخيبة مطلقة••''بابي يحدث صوتا مزعجا، مقلقا، لا أسمع الصّوت العادي (توك، توك)، بل أسمع (بانغ، بانغ)، باب مصفّح، هذا أمر معتاد، لكن حتّى وإن كانت الأخبار تذكّرنا بظواهر أخرى غريبة، أفتح واقفة الباب محتميّة خلفه، ردّة فعل عادية، شكون؟ من هناك؟، ليست دورية شرطة، الواعظون، المدافعون عن الحقيقة، وليست جارتي العجوز في شارع ماجينو••''•• ]4[ ••في رواية قرية الألماني، وهي الرّواية التّي جعلت من بوعلام صنصال روائيّا منشقا بامتياز، يتحدّث عن الصّورة السّلبية التّي يعاني منها اليهود في الجّزائر والإعجاب الذّي يلقاه النّازي في الثّقافة الشّعبيّة، يتحدّث عن ما يسميه بفترة الصّمت الطويلة التّي عرفتها البلاد، حيث يلعب صنصال دورين مزدوجين، الأوّل صائد للنّازيين والثاني تقديم الاعتذار لليهود لتبني الجّزائر لهذا النّوع من الأشخاص المنبوذين، وهو دورٌ جعل الصّحف الفرنسيّة وملاحقها الثقافيّة تُشيد بالرّواية وبالكاتب لتكتشف معه انّه يوجد في العالم العربي إنسانيون بالمعنى الغربي لا يعرفون الخضوع لقانون الصّمت، الإنكار، قمع الحريات، لكن الاستقبال الأدبي الفرنسي لها كان ملتبساً نوعا ما، ما بين مبتهج، منتقد ومتردّد، قرية الألماني أو مذكّرات الإخوة شيلر الصّادرة عن دار غاليمار، تحكي قصة حبّ بين قرويين أُغْرِموا برجل قادم من الغرب، نازيّ قديم، أرسلته المخابرات المصريّة للجّزائر ليقدّم خدماته للثورة، بالنّسبة لسكان القرية هو مجاهد، قدّيس، في واقع الأمر القصّة مكرّرة ومستهلكة، فحكاية النّازيين الهاربين والمتوارين عن الأنظار معروفة ''قضية كارل ايخمان النّازي الذّي اختطفته الموساد من الأرجنتين ليحاكم وينفذ فيه حكم الإعدام''، تقوم فصول الرّواية على عرض مذكّرات الأخوين راشيل، الأخ الأكبر، مثقف، موظف بإحدى الشّركات ومالريش الأخ الأصغر، مستوى ثقافيّ متدنٍ، تائه في دوائر حياة الضّواحي الباريسية القاسيّة، ذوي الهويّة المختلطة، من أب ألماني وأمّ جزائريّة، مقيمين بباريس• وتنطلق أحداث الرّواية من فاجعة انتحار راشيل المفاجئة••''مضت ستة أشهر على رحيل راشيل الذّي لم يكن قد تجاوز سن الثالثة والثلاثين، أذكر بان شيئا ما انكسر بداخله، منذ سنتين، أخذ في التّرحال بين فرنسا، الجّزائر، ألمانيا، النّمسا، بولونيا، تركيا ومصر، كان بين كلّ تنقلين، يطالع كتبا، يتأمّل محيطه، يكتب ويهذي، تدهورت حالته الصّحيّة ثم فقد وظيفته وعقله، حتّى اوفيلي هجرته، انتحر ذات مساء، بتاريخ 24 افريل 1996 في حدود السّاعة الحادية عشر ليلا••''من خلال الإطلاع على مذكّرات راشيل، يحاول مالريش معرفة الأسباب الحقيقيّة التّي دفعت بأخيه للانتحار، يكتشف جزء من حياته التّي كان يجهلها، حيث يدرك بأنه بعد اغتيال والديهما من طرف إحدى الجّماعات الإرهابيّة، ربيع 1994 حاول راشيل عبثا البحث عن أسباب الجّريمة فيتوجّه إلى منزلهما بإحدى القرى النّائيّة بمنطقة الهضاب العليا، هناك يقف على بعض شواهد المجزرة التّي راح ضحيتها أيضا، سكان القرية الأبرياء، يكتشف بعد التّنقيب في أرشيف والده بأنه كان مختصّا في الكيمياء الصّناعيّة (يحيل هذا إلى موضوع أفران الغاز وإبادة اليهود)، يجنّد للعمّل ضمن الوحدات الخاصة، قبل أن ينتقل للخدمة في صفوف الثّورة الجّزائريّة تحت اسم سي مراد، يتزوّج بجزائرية ويعتنق الإسلام، لم يركز راشيل إلا على مرحلة تجنيد والده ضمن الجّيش النّازي، مما أثار في نفسه تحفظا وندما كبيرين، مع شعور حاد بتحمّل جزء من مسؤوليّة المجازر المرتكبة ضدّ الضّحايا الذّين سقطوا على يد الجّيش النّازي، هذا ما قاده إلى حالة انهيار عصبي ثمّ الانتحار، كلّ ما جاء في الرّواية يروق للغرب وخاصة أنصار إسرائيل ويعترف صنصال بالمتاعب التّي ستلاحقه وينهي قائلا••''الجّزائر بلد جميل وكبير، قادم من بعيد وله لغة وتاريخ مدهشان، إنه لم يُخلق مع حركة التّحرير الوطني!••الجزائر لا علاقة لها بثقافة جبهة التّحرير ولا بمعسكراتها ولا بزعمائها ولا بسجونها•• سوف تأخذ، ذات يوم، طريقها تحت الشّمس وستخضرّ حينها أرضها، أودّ أن أكون حاضرا لرؤية هذا••''•