هذه الحقائق اطلعنا عيها من خلال تغطية الجلسات التي تحتضنها المحاكم، وبالتحديد مجلس قضاء العاصمة ومحكمة الجنح عبان رمضان، أين فرض الموضوع نفسه بعد تنامي ظاهرة الإعتداء على المحضرين القضائيين سواء داخل مكاتبهم أوفي الشارع• يصل الأمر في الكثير من الأحيان إلى الاعتداء على المحضرين القضائيين داخل المحاكم، حيث يمثل في كل مرة مواطن أمام هيئة المحكمة بتهمة إهانة موظف عمومي أثناء تأدية مهامه• لذا ارتأينا أن نسلط الضوء على تزايد هذه الظاهرة والدافع وراء النزاع الذي ينشب في كل مرة بين المواطن والمحضر القضائي، وارتأينا عرض نماذج للقضايا التي عالجتها المحاكم في هذا الإطار• تمزيق وثائق التبليغ في وجه محضرة قضائية عالجت محكمة الجنح بسيدي امحمد، في العاصمة، قضية مواطن متابع بتهمة إهانة موظف أثناء تأدية مهامه داخل مكتبه، ويتعلق الأمر بالمحضرة القضائية (ك•ن) التي طلبت من أحد الزبائن التوقيع على وثائق التبليغ• لكن المشكلة أن المواطن الذي بلُّغ من طرف المحضرة لا يحسن القراءة، وعليه رفض التوقيع على وثيقة يجهل محتواها، والمحضرة كانت ملزمة على أن تحصل على توقيع المواطن لتباشر الإجراءات• لكن المحضرة أصرت على التوقيع مهددة إياه بالاتصال بوكيل الجمهورية، وهنا فقد المواطن السيطرة على أعصابه وثار غضبه وأقدم على تمزيق وثائق التبليغ في وجه المحضرة وخرج من المكتب• السب والشتم على مسمع العام والخاص في الشارع وأمام المحكمة نظرت قبل مدة محكمة الجنح بسيدي امحمد، بالعاصمة، في قضية تعرض محضرة قضائية للسب والشتم من طرف المدعو (خ•ف)، المتابع بتهمة إهانة موظف عمومي أثناء تأدية مهامه• تفاصيل القضية تعود حين قصدت منزل المدعو (خ•ف) لأجل تسليمه عريضة التبليغ إلا أنها لم تعثر على أحد بالمنزل، فقامت بتركه تحت الباب ليعثر عليها أحد الجيران• هذا الأمر أثار غضب المتهم وفقد السيطرة على أعصابه، ليتوجه إلى مكتبها قصد التعبير عن استيائه موجها لها وابل من الشتائم في الشارع وأمام المارة، ولم يكتف بذلك حتى بعد رفعها دعوى قضائية ضده، وفي الجلسة الأولى انتظرها قبل دخولها قاعة المحاكمة ليهددها بالانتقام بعد صدور الحكم• شتمها وأهانها بمكتبها بعد معاملات دامت أكثر من 20 سنة محضرة قضائية تعرضت إلى السب والشتم والإهانة أثناء قيامها بمهامها من طرف أحد الزبائن• وقد تحركت القضية بناء على الشكوى التي تقدمت بها المحضرة القضائية إلى مصالح الأمن بولاية تيزي وزو، حيث أكدت هذه الأخيرة أمام رئيس الجلسة أنها تربطها معاملات قانونية مع المتهم فاقت ال 20 سنة، مضيفة أنها في كثير من الأحيان لم تكن تقبض أتعابها، ومع هذا خاطبها بعبارات قبيحة ووجه لها الشتائم وأهانها• الزوج يضرب وزوجته تدعو''الله يعطيك مصيبة'' عالج مجلس قضاء العاصمة قضية مماثلة، لكن هذه المرة بطلتها امرأة وزوجها، وهما أصحاب شركة لمواد التجميل، اشتبكا مع محضر قضائي عندما أراد تنفيذ قرار الحجر على العقارات المنقولة التي تخصهم على خلفية نزاع بين المتهم وشريكه، وبالضبط حين منحه شيك تقدر قيمته بمليارين ونصف سنتيم•• ليكتشف أنه بدون رصيد، بالإضافة إلى أنه تماطل في دفع قيمة الصك في الوقت المحدد• وصدر في حقه قرار من المحكمة بالحجر على ممتلكاته، الأمر الذي لم يعجب المواطن وثار غضبه، لينهال على المحضر بالضرب المبرح، ولولا تدخل الجيران لكان في عداد الأموات، في حين راحت زوجته تسب وتشتم وتدعو عليه ''الله يعطيك مصيبة''، ''والله ما تربح ما تشوف الربح''، وعليه لم يبق سوى الاستعانة بالقوة العمومية لتنفيذ قرار المحضر• نزاعات لا منتهية تنشب في كل مرة بين المحضريين القضائيين والمواطنين، لذا حاولنا معرفة الأسباب الخفية التي تقف وراء النزاع القضائي الذي تشهده المحاكم الجزائرية، الذي يكون فيه المحضر القضائي ضحية• •• والسبب نقص الثقافة القانونية لدى المواطن في حديثنا مع محضر قضائي، طلبنا توضيح مهامه للقراء بعيدا عن المصطلحات القانونية بلغة مبسطة يفهمها الجميع، راح يعدد مهام المحضر القضائي فوصفه بالضابط العمومي المحلف الذي يمتلك ختما تمنحه إياه وزارة العدل• ويكلف بمهمتي التبليغ والتنفيذ يبلغ الأحكام والإنذارات القرارات الأوامر العرائض والمعاينات، ويتعامل مباشرة مع المواطن أين يواجه المحضر القضائي عدة عراقيل خصوصا أثناء تنفيذه قرارات الصادرة وخاصة المتعلقة بالطرد• وعليه يبقى تخوف المواطن دائما قائما حيث يكره التعامل مع المحضر القضائي لأنه يجهل حقيقة عمله، وهو ما يجعل المحضرين عرضة للإهانة وهم يؤدون واجباتهم• ويضيف المحامي مهدي عمار، بأن المحضر القضائي يعتبر حلقة وصل فهو ضابط عمومي مستقل يأخذ الأوامر من وكيل الجمهورية، ويحتك في عمله مباشرة بالمواطن، إلا أن المحضر القضائي يتلقى عدة صعوبات فكثيرا ما يتعرض للسب والشتم والمقاومة، خاصة عندما يتعلق الأمر بتنفيذ أحكام الطرد سواء من السكن أوالمحلات التجارية والتي يصعب تنفيذها• وهي المشكلة التي واجهتها المحضرة القضائية التي مثلت مؤخرا بمحكمة حسين داي كضحية، أثناء تنفيذها قرارا لطرد أحد مواطن احتل قطعة أرضية وشيد عليها بناء فوضويا، وقد سخرت قوة عمومية بأمر من وكيل الجمهورية لتنفيذ قرار الطرد، ومثل المواطن أمام محكمة حسين داي بتهمة إهانة موظف عمومي أثناء تأدية مهامه• وحسب ذات المتحدث، فإن المحضر القضائي يقوم بتسليم عريضة التبليغ وتكون ودية أين تمنح مهلة 10 إلى 20 يوما لتنفيذ الحكم، ويعاد تسليم محضر للمرة الثانية، وفي حال عدم التنفيذ يتم تحرير محضر الامتناع عن التنفيذ، وهنا يتطلب تسخير قوة عمومية بأمر من وكيل الجمهورية• ويتعرض المحضر القضائي لعدة اعتداءات تصل حتى الضرب أثناء تأدية مهامه خاصة، فهو ضابط عمومي غير أنه غير محمي من اعتداء المواطنين، وإذا اتّهم المحضر في قضية فإنه يتم فورا توقيفه عن العمل حتى تثبت براءته، فالمشادات الكلامية التي تحصل يوميا بين المحضرين القضائيين والمواطنين يكون في أغلب الأحيان بسبب نقص الوعي والثقافة القانونية المتلاشية عند البعض، وهي الصعوبة التي يجدها المحضر القضائي في التعامل وتأدية مهامه بدون أية مشاكل، لذا على المحضر أن يتفهم ويكون لينا في تبليغاته• وأرجع أحد المحامين المشكل القائم بين المحضر القضائي والمواطن الى الطريقة التي يتعامل بها بعض المحضرين الذين يلجؤون إلى أسلوب التخويف، خاصة إذا عارض المواطن مهام المحضر فإن هذا الأخير يهدده بالسجن، وهو ما يزيد الطين بلة، بالرغم من أن عمله يقتصر على التبليغ والتنفيذ إلا أن بعضهم يلجأ إلى استفزازات، ويأخذ القضية بشكل شخصي بعيدا عن الموضوعية، وهو ما يزيد من تأزم الوضع•