منذ سنوات كتبت في هذا الركن: إن أخطر ما يمكن أن تتعرض له قناة الجزيرة الرائدة في الإعلام العربي هو تمصيرها•• أي وقوعها إعلاميا في دائرة العقل المصري إعلاميا عبر إغراقها في الشقشقة اللفظية المصرية بواسطة غزوها بطريقة غير مباشرة من طرف من يسمون أنفسهم كهان المعبد العربي في القومية والوطنية والوحدة! بالأمس شاهدت الأستاذ محمد حسنين هيكل يتحدث في الجزيرة عما أسماه تجسس المخابرات المصرية في عهد عبد الناصر على السفارة الأمريكية في القاهرة•• واعتبر هيكل زرع ميكروفونات التجسس في السفارة بمثابة (العمل العظيم) الذي قامت به المخابرات المصرية! حتى أنه أفرد للقضية أكثر من ساعتين من الحديث في أكبر وسيلة إعلامية عربية وعالمية ناطقة بالعربية! بطريقة جعلت المشاهد يشك حتى في حدوث هذا الأمر! إسرائيل تتجسس على أمريكا في أمريكا وفي قطاعات حساسة كالأسلحة النووية والصواريخ العابرة للقارات وفي أجهزة الاستخبارات المركزية والكنغرس والبناطغون! ولا نقول شيئا عن ''بطولات'' الموساد، في حين يتجسس المصريون على مطبخ السفارة الأمريكية في القاهرة ويتحول الأمر إلى فتح مخابراتي كبير! بهذا المنطق قادت مصر العرب نحو الهزائم الخمسة الكبرى في التاريخ العربي الحديث؟! ولم ينتبه الأستاذ هيكل إلى نفسه فقال إن عبد الناصر أخبره شخصيا بزرع ميكروفونات في السفارة الأمريكيةبالقاهرة، وأنه أطلعه على معلومات رهيبة سجلها ميكروفون ''الدكتور عصور''! ولكنه عندما عرض محتوى تلك التقارير لم يزد على ذكر كلام ''الجرانين''، بل ووصل به الأمر إلى القول إنه هو أيضا تم تسجيله في جلسة مع مسؤول أمريكي في السفارة وهو لا يعلم•• وأن محتوى التسجيل استخدم ضده من طرف السادات! وأن التسجيل تم في عهد السادات! ولم يشعر الأستاذ هيكل بأي تناقض فيما يقول؟! فهل يعقل أن يعرف إنسان بأن السفارة الأمريكية فيها ميكروفونات تسجيل ثم يتحدث إلى الأمريكان في السفارة في أمور تحسب عليه؟! هذا لا يحدث إلا في العقل المصري؟! والمصيبة أن هيكل قال إن المخابرات قامت بعمل جليل عبر هذا الميكروفون، كونها عرفت بأن ''فولدا مايير'' قالت في إسرائيل إن أمن إسرائيل يتوقف على التخلص من عبد الناصر (بالسم) أو بالمرض! ولم يتساءل هيكل كيف لم تستطع المخابرات (العظيمة) حماية ناصر من الخطر الإسرائيلي وهي التي عرفت ذلك قبل ثلاثة أشهر من حدوث الوفاة بالمرض•• وهي الوفاة التي حاول هيكل أن يوحي للمشاهد بأنها حدثت بفعل فاعل! انتظروا يا مشاهدين من هيكل أن يقول لكم بأن حرب الاستنزاف هي قرار مصري محض، والحال أن حرب الاستنزفاف كانت ترضية للجناح العربي الذي كان يرفض وقف الحرب في 1967 ويطالب بحرب شعبية على غرار الفيتنام! والجزائر كانت رأس الحربة في هذا الموضوع! ولاءات الخرطوم الثلاثة لم تكن مصرية على أية حال! فقد كانت مصر تعصف بها رياح التسوية عبر القرار 242 ومشروع روجرس!• نعم ناصر مات بمرض السكري الذي أصيب به بعد حرب 67 ولم يكن لإسرائيل أي ضلع في هذا المرض•• بل المحيط التعيس لناصر هو الذي تسبب له في هذا المرض! وحسب هذا المنطق الهيكلي ستتحول الجزيرة إلى فضائية صفراء لا تختلف عن فضائيات دريم ونايل سات وغيرها•