هو شاعر مثقل بالكلمات.. محتل بالوجع.. مشرد بين القوافي يزرع خلال ديوانه ''مرايا الوجع'' إثنان وخمسون قصيدة، تأتي بعد كتاب ''محطات الإنتظار'' الذي يتضمن ثلاثة نصوص سينمائية وديوان ''القلب محيطك''، تفردت بنشره دار الينابيع - ستوكهولم - للشاعر العراقي والمخرج والناقد السينمائي محمد توفيق المقيم بالدانمارك. أشهد أني عانيت من قسوة وجعين وجع الغربة في الوطن، ووجع الوطن في الغربة بهذا البوح الثقيل وهذا الوجع تنساب قصائده واهبة مساحة شاسعة في فضاء المعاني، و تغمر به الكتابة في زمن لا يزال مصرا على بغداد أن تئن تحت النار فيقول في قصيدة ''مرآة بغداد'': بغداد تحدق في مرآة محنتها ومن نسغ جذورها تطرز ثوبها تمضي إلى نفق عرسها مخضبة بالدم مخلفة لوحات بياضها معلقة على أسلاك الشائكة.. بغداد تخفي أسرار جرحها في جيوب قلاعها المحصنة من طلاسم العنكبوت، و من خلف ستائرها الموشاة من شعائر الوجد تردد ألحان خلودها، ''مرايا الوجع'' عنوان يستفز واقعه وهو العراقي المتغرب بالدنمارك فيتدفق سيل اللغة المبسطة والمشبعة بالروح الوطنية، ويبدو توفيق من خلال نصوصه أنه يملك مفاهيم وقناعات لا تكون إلا تحت راية الحرية فيقول في قصيدة ''أماكن مسيجة'': وطني أسلاك ملغمة و أنا صوت تائه بين البلدان مأواي مطارات و أنفاق و محطات .. أنا العراق أردد في سريرتي ( شر البلية ما يضحك) أضحك عاليا من حماقة قادة القوى العظمى، .. أنا إنسان بسيط ابحث في كل مكان عن ملاذ آمن.. والكتابة عند توفيق استقراء للحوادث وإعادة خلق وتفاعل مع المحيط الخارجي، وانفتاح على ممرات ودهاليز سرية، يرمي بمفاتيحها الشعرية مخلفا بذلك نصوصا تدهش القارئ في سلاستها وعمقها، وديوان ''مرايا الوجع'' ما هو إلا قضايا مبثوث فيها جراح تلهب القلب والخيال وتؤرخ تاريخ العراق الذي سلبت حريته. يزيح الربيع من روحي الشّتاء المر أمتطي الرّيح المنسوج من عطر الأرض، أنثر بهجتي على أبواب و نوافذ السّنين الصدئة أمضي نحو أصدقائي المنسيين على مشاجب الأجلاف نطيل النظر في مرايا أيامنا المشروخة و عبر كوة الأمس، نطل على براعم زمننا الآتي، و نصغي السّمع إلى كركرة الجداول، نستحم ببريق أطفالنا، و الرّبيع يسيجنا بالحبق و الياسمين بهذا الألم الثقيل وهذا الحلم البسيط يكون الشاعر العراقي والمخرج والناقد السينمائي محمد توفيق قد أضاف إلى المكتبة العربية مولودا جديدا - يلخص حلم الغريب البعيد عن الوطن الأم - في عطره و جمال عباراته. قراءة حنان يوسفية بلحرمة - سيدي بلعباس