مرت سنة 2009 دون تسجيل حدث كبير يذكر في مجال حقوق الإنسان والحريات، باستثناء تبرئة معتقلي غوانتانامو ومراجعة القانون الأساسي للجنة الاستشارية لحقوق الإنسان، وعرض قانون المحاماة الجديد للنقاش، وتراجع حدة الأحكام القضائية في حق الصحفيين، وفتح النقاش حول إلغاء عقوبة الإعدام، ومازال ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ينتظر تعزيزه بإجراءات مكملة، قبل الوصول إلى عفو شامل، مثلما وعد به رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، وطالبت به الطبقة السياسية خلال الحملة الانتخابية للعهدة الثالثة• كما ظل طلب المنظمات الحقوقية المتعلق برفع حالة الطوارئ، بالنظر إلى التحسن الملحوظ في الوضع الأمني وتراجع نشاط الجماعات الإرهابية بدرجة لا ينكرها إلا جاحد، معلقا إلى حين، أمام تحفظات السلطات التي تشير إلى محاذير أمنية قد تعصف بما تحقق من استقرار• وكانت التقارير الأجنبية الصادرة هذه السنة حول وضعية حقوق الإنسان في الجزائر قد احتفظت بنفس التقييم، فالجزائر ما تزال تصنف بعلامة ''غير حسنة ولا جيدة'' في مجال الحقوق والحريات• وارتكزت بعض التقارير على التضييق على حرية المعتقد من خلال قانون ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين• ولعل أبرز ما يمكن تسجيله كمكسب في مجال حقوق الإنسان في الجزائر، هو تكريم عميد الحقوقيين، الأستاذ علي يحيى عبد النور، الرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، مؤخرا في جنيف، من طرف منظمة ''الكرامة ''الحقوقية، عرفانا بمجهوداته في الدفاع عن حقوق الإنسان في الجزائر بغض النظر عن الميولات الفكرية والتوجهات السياسية وبقائه وفيا لمبادئه طوال أكثر من أربعين عاما من النضال، لم يرضخ خلالها لأي نوع من الإغراءات• ولعل ما يمكن تسجيله أيضا، تبرئة القضاء الجزائري لمعتقلين سابقين من غوانتانامو خلال محاكمتهم عقب الإفراج عنهم من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وضمان محاكمة عادلة لهم بعيدا عما تريده الولاياتالمتحدةالأمريكية، والتي لم تستسغ الأمر وبلغت الجزائر احتجاجها• وكان رد الجزائر سياديا، فكيف يظلم المعتقلون في بلدهم زيادة عن الظلم الأمريكي الذي تجرعوه طوال سنوات في المعسكر ''المشؤوم''• سنة 2009 لم تكن بحدث مميز بالنسبة للفئات المقصاة ''عمدا أو سهوا'' من نص الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية، فلم يعلن مثلما كان منتظرا عن إجراءات لفائدة معتقلي الصحراء، ولا المتضررين اقتصاديا من الأزمة، ولا التائبين الجدد بعد توبتهم خارج الآجال المحددة في نص الميثاق• وبقيت الملفات العالقة قبل 2009 على حالها، في انتظار أن تكون سنة 2010 ربما سنة لتسجيل إيجابيات وتحقيق تقدم في مشروع الرئيس الذي يراهن على إنجاحه على أكبر قدر، والمضي فيه قدما وفاء بوعده خلال الحملة الانتخابية، حين قال: ''لن أدخر مجهودا للمضي بمسار المصالحة الوطنية إلى غاياته المنشودة ومن أجل إزالة الشعور بالإقصاء لدى سائر المواطنين ضمن احترام الدستور وقوانين الجمهورية''• كما أن الجدل الذي عاد هذه السنة حول إلغاء عقوبة الإعدام في الجزائر، واشتد بين رجال الدين المؤيدين للإبقاء على العقوبة استنادا على مبدإ القصاص الذي تقره الشريعة الإسلامية، وبين المعارضين من الناشطين في مجال حقوق الإنسان، لم يوصل لإنصاف لا هذا ولا ذاك، رغم اللقاءات المتكررة التي دافعت فيها كل جهة عن وجهة نظرها وقناعتها دون أن تضع السلطة نقطة النهاية لهذا الجدل، سواء بإقرار إلغاء عقوبة الإعدام أو الإعلان عن تمسكها بها بالنسبة لبعض الجرائم، بدلا من إصدارها كأقصى عقوبة في المحاكم، رغم أنها في الواقع تترجم إلى عقوبة السجن المؤبد، حيث جمد تنفيذها منذ .1993 بالمقابل، من الممكن تسجيل نقطة إيجابية في مجال حقوق الإنسان في الجزائر سنة 2009، ويتعلق الأمر بمشروع قانون مهنة المحاماة الذي أفرج عنه هذه السنة، بعد أربعة أعوام من المد والجزر بين النقابة ووزارة العدل، ولكنه سجلت هبة بين أصحاب الجبة السوداء، الذين ثاروا على المواد المتعلقة بحقوق الدفاع ونجحوا في الأخير في فرض بعض التعديلات وإيصال القانون إلى مرحلة جديدة، وهو اليوم لدى الأمانة العامة للحكومة• أما بالنسبة للجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، فإن سنة 2009 كانت سنة لإثبات المصداقية والاستقلالية، و''لو بعض الشيء'' عن رئاسة الجمهورية، حيث فرضت لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة على اللجنة التحرر قليلا من عباءة رئاسة الجمهورية، وصياغة قانون خاص يسمح للجنة قسنطيني بالحصول على اعتماد لدى الهيئة الأممية•