من المواضيع التي لم تأخذ حقها من النقاش والتحليل في الجزائر خلال السنوات العشرين الأخيرة على الأقل باعتقادي، يمكننا إدراج موضوع الإعلام والانفتاح الإعلامي لأنه إذا ما كانت الجزائر دون شك واحدة من أولى الدول التي دخلت عهد التعددية السياسية مع بدء أمارات الانهيار السياسي لدول المعسكر الشرقي التي كنا عضوا غير معلن فيها، ما يعني أنني من الذين لا يؤمنون بفرضية عفوية ما جرى في أكتوبر 1988، إلا أن ما عاشته البلاد بعد ذلك من فوضى وغوغائية سياسية عجلت بانفجار الأزمة الأمنية التي مازالت آثارها قائمة حتى الساعة رغم تراجع حدها بشكل لا ينكره إلا جاحد.، نستطيع القول إن الجزائر أيضا تراجعت في مجال كان يفترض بها أن تكون رائدة فيه وأعني هنا على وجه التحديد، مجال الحرية الإعلامية وانفتاح الفضاء الإعلامي بشكل عام إلى المستوى الذي يليق بدولة إقليمية في حجمها! الواقع أنه من المؤسف فعلا أن تكون الجزائر واحدة من الدول التي يمكننا عدها على أصابع اليد الواحدة في العالم حاليا ممن لاتزال مصرة على عدم دخول هذا الفضاء الجديد، فنحن بالإضافة إلى كوريا الشمالية وكوبا أو حتى ميانمار مثلا، من الدول التي ماتزال لغة الخشب مظهرا من مظاهر خطابها الإعلامي والأمر هنا يتعلق بمجال الإعلام الثقيل (Mass Media) أو ما يعرف عادة بقطاع السمعي البصري حتى لا نظلم الإعلام المكتوب الذي خطا في مجال التنوع خطوات وإن ظلت غير كافية أيضا، إلا أنها مقارنة بالأول واضحة ولا غبار عليها. لقد لاحظ الجميع دون شك أثناء الأزمة الأخيرة التي فجرتها بعض أبواق الفتنة في القاهرة أن تلك المنابر كانت بلاشك، سوف تحسب حسابها لكل جملة تقولها لو أن الجزائر كانت تملك هي الأخرى محطات فضائية تفتح مجال التعبير لشرائح المجتمع ورموز الفكر والسياسة والمجتمع المدني عندنا، إذ أن الجزائر لم تخل ولن تخلو من أفاضل قادرين على الدفاع عن سمعتها دونما حاجة إلى السقوط في مستنقعات الشوفينية البغيضة، إذ أن حب الأوطان لا يعني بالضرورة الحقد على أوطان الناس دون مبرر. ولكي لا أذهب بعيدا في هذا الموضع الأخير الذي أخذ أكثر من نصيبه في شتى فنون الخطابة، أعتقد أننا قد بلغنا حاليا مرحلة طيبة من الرشد تمكننا من أن نطالب بفتح هذا الباب على مصراعيه لأنه من المعيب بنا بادئا، أن ننافس آخر قلاع الستالينية في هذا الأمر. فالجزائر دولة إقليمية تستحق أن تكون حاضرة في المشهد الإعلامي بشكل أكبر بكثير من هذا الذي نراه ولا أتصور أن هناك أحمق سوف ينكر أهمية هذا المطلب، إذ لا مبرر أخلاقي ولا سياسي ولا حتى اقتصادي لمواصلة الانغلاق ونحن نعيش العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين!! علينا أن نشدد هنا أن مطلبنا ليس ظرفيا ولا حتى عاطفيا لأننا لن نؤسس لانفتاح إعلامي يكون موجها ضد أحد حتى لا يفهم البعض أننا نريد دخول سباق هجاء، ولكن الأمر أكبر من ذلك بكثير لأن الجزائر إذا ما أرادت أن تدخل عالم الاستثمار في السياحة على الأقل، مطالبة بأن تكون أكثر حضورا من هذا والكل يتذكر تلك الشمطاء التي خرجت على بعض الفضائيات لتتشدق بما لا تعرف مدعية أننا بلد صحراوي لا شجرة فيه ولا ماء حتى تخيلت أنني أعيش في كوكب المريخ مثلا ... إنها معذورة بسبب انعدام أدنى تحصيل جغرافي عندها أولا ثم بسبب تقصيرنا نحن أيضا في التعريف ببلدنا، فمن منكم يخبرني عن عدد الذي رأوا سحر شواطئ جيجل أو بجاية مثلا من غير الجزائريين؟ بل إن الأقبح من ذلك أنني لن أفشي سرا هنا حينما أضيف أنه لاشك عندي بوجود بعض الجزائريين أيضا من الذين لم يروا تلك المناظر التي تأخذ العقول قبل القلوب والتي لا تقل روعة عن سواحل النرويج، بل إنني لن أجانب الصواب كثيرا حينما أقول أنها أكثر عذرية منها، فلماذا لم يسمع بها أحد مع أنها موجودة منذ الأزل؟ هل عرفتم السبب الآن وهل فهتم مبعث تخوف المستثمرين الأجانب وزهدهم في الإقبال علينا؟ لا تلوموا أكثر هؤلاء لأنهم يعتقدون أننا فعلا بلد كثبان رملية مع بعض النوق هنا وهناك بالإضافة طبعا إلى بعض آبار النفط والغاز حتى سمعنا ذلك اللاعب المغمور يهرف بما لا يعرف مدعيا أننا “دولة تعيش على المعونة الفرنسية”!! الموضوع لا يحتاج إلى دراسة و لا حتى إلى لجان بحث بل إنه يحتاج فقط إلى قرار حكومي لأن الحكومة هي المطالبة الأولى بهكذا خطوة بدلا من تبذير المال العام في تأسيس قنوات أخرى تكرر نفسها ولا تقدم تنوعا حقيقيا يوصل صورة البلاد وثقافة الجزائريين إلى أرجاء المعمورة .. أيها المسؤولون عن مصير الجزائر وأبنائها: أولا تعلمون أنه من العيب أن يظل الأربعون مليون جزائري، مجهولين وأننا بهذا الشكل ننافس دولا كاريكاتيرية لأن الحديث عن الانفتاح السياسي والحريات تحت ظل هذا الواقع، حديث لا يصدقه حتى الجزائريون قبل أن يصدقه غيرهم؟ لدينا مئات أو ربما آلاف الميليارديرات واللهم لا حسد، فلماذا لا نفتح الباب أمامهم ونوكلهم إلى أنفسهم حتى يجربوا هذا القطاع الذي صار أخطر دورا على المستوى العالمي من البنتاغون نفسه؟ لا تخشوا شيئا سادتي فلن تخسر الخزينة العمومية مليما بل إن بعضا من أموالها التي سرقت على الأقل من خلال التهرب الضريبي، قد تعود إليها لو أننا فتحنا الفضاء الإعلامي، إذ لاشك أن كثيرين سوف يتنافسون فيه بدافع الغيرة المحمودة أحيانا! لسنا مجبرين بالضرورة على تأسيس منابر إعلام سياسي قد تؤثر بشكل أو بآخر في الاستقرار الذي بدأت البلاد تعيشه، ولكنه من غير المعقول أن تظل الجزائر غائبة، فهل جيراننا الأقرب منا أكثر قدرة منا في هذا المجال.. لدينا من الطاقات ما يكفي وزيادة .. ولدينا من الخبرات ما يتفوق وزيادة... لا ينقصنا إلا القرار وإنا لمنتظرون!!